لم تتوقف حرب المشركين على الرسول صلى الله عليه و سلم حتى في مماته، ففي سنة 557 هـ
فكر الحاقدون و المجرمون من أعداء الإسلام أن يَفْجَعُوا المسلمين
فَجِيعَةً نكراء بسرقة جسد النبي صلى الله عليه و سلم من قبره الشريف في
عهد السلطان الصالح العابد "محمود نور الدين زنكي".
جَنَّدَ الخُبَثَاءُ لهذه المهمة الخطيرة رجلين، فانطلقا الرجلان الخبيثان
إلى المدينة و لبساَ زياً للمسلمين و أظهرا الورع و العبادة و أكثرا
النفقة على فقراء المدينة حتى أَحَبَّهُمُ أهل المدينة حباً جماً، و كانوا
في كل ليلة يحفرون سرداباً تحت الأرض من حجرة يسكنوها إلى جوار المسجد
النبوي و يأخذون التراب و يلقونه في "بأر ماء" حتى لا يظهر الأمر و ينكشف
التراب، و ظل الخبيثان يَحْفِرَانْ حتى وصلا إلى جدار الحجرة النبوية
الشريفة، و في الليلة التي ضَرَبُوا فيها أول فأس في الحجرة النبوية
أَبْرَقَتِ السماء و أَرْعَدَتْ برقاً و رعداً شديداً و في هذه الليلة ذهب
النبي صلى الله عليه و سلم في الرأيا إلى السلطان الصالح "محمود نور الدين
زنكي" و أشار النبي صلى الله عليه و سلم للسلطان إلى رجلين أشقرين في
الرأيا و قال له النبي عليه الصلاة و السلام : "أنقذني من هاذين الرجلين
يا محمود" فاستيقظ السلطان من نومه فَزِعاً فتوضأ فصلى ما شاء الله له أن
يُصَلِّي ثم نام فجاءه النبي صلى الله عليه و سلم للمرة الثانية في الرأيا
و أشار على نفس الرجلين و قال: "أنقذني من هاذين الرجلين يا محمود"
فاستيقظ السلطان من نومه فَزِعاً فتوضأ فصلى ما شاء الله له أن يُصَلِّي
ثم نام فجاءه النبي صلى الله عليه و سلم للمرة الثالثة في الرأيا و أشار
على نفس الرجلين و قال: "أنقذني من هاذين الرجلين يا محمود" فاستيقظ
السلطان من نومه فَزِعاً و قال: "والله لا نوم بعد الآن" و استدعى وزيره
الصالح التَّقِيْ النَّقِيْ "جمال الدين الموصلي" و أخبره بما وقع فقال له
الوزير الصالح: " أُكْتُمْ خبر الرأيا و اخرج فوراً إلى مدينة رسول الله
صلى الله عليه و سلم، فانطلق السلطان على الفور و حمل أموالاً طائلة و دخل
إلى المسجد النبوي فصلى لله ركعتين و سلم على النبي صلى الله عليه و سلم و
جلس في الروضة الشريفة الكريمة يفكر ماذا يصنع، فقام الوزير الصالح "جمال
الدين الموصلي" و قال: "أيها الناس لقد جاء السلطان إلى مدينة رسول الله
صلى الله عليه و سلم ليوزع الأموال على كل فقراء المدينة و لِيُسَلِّمَ
على كل أغنياءها و أشرافها و أهلها، فطلب الوزير من جميع الفقراء بالحضور
و من أهل المدينة بالمجيء للسلام على السلطان لِيَنْظُرَ السلطان إلى وجوه
القوم لعله يجد الوجهين اللذين أشار عليهما الصادق الذي لا ينطق عن الهوى،
فجاء الفقراء و جاء الأشراف و الأغنياء و لم يجد السلطان هاذين الوجهين
فقال : لا....أبداً.....تفكروا و تدبروا.....؟! فقال أحدهم : "يا مولاي
السلطان لم يبقى و الله أحدٌ إلا رجلين صالحين زاهدين قد جاورا الحجرة
النبوية الشريفة و هما من الأغنياء لا يحتاجان صدقةً و لا مالاً من أحد،
بل هما يكثران الصدقة على الفقراء المسلمين" فاستبشر السلطان خيراً و قال
: "عليَّ بهما فوراً" فجاء الرجلان فلما نظر إليهما بكى و قال : "اللهم
صلي على محمد. هما و الله هما!!!...هما و الله هما!!!... أين منزلكما ؟؟؟"
فذهب السلطان بنفسه معهما إلى منزلهما و ظلَّ يدور في المنزل شبراً شبراً
بنفسه فلم يجد شيئاً إلا مُصْحَفَيْنِ و كتباً في الرقائق و أموالا طائلة،
فتعجب السلطان و ظلَّ يَنْبِشُ في كل مكان، و في غرفة رأى حصيراً فرفع
الحصير فوجد سرداباً يمتد إلى القبر الشريف فنزل فيه و ظلَّ يمشي في
السرداب حتى وصل إلى جدار الحجرة النبوية الشريفة ففزع الناس فزعاً
شديداً، فأمر السلطان بقتل هاذين الرجلين على باب الحجرة النبوية و هو
يبكي لِما اختصهُ الله من هذا الشرف العظيم"