تربية الاطفال والناس
يا ابنتي لا ترتدي هذا.. ماذا سيقول عنَّا الناس؟!
يا بُنيَّ لا تتحدث هكذا أمام الناس..
ذاكروا جيدًا حتى أفتخر بكم أمام أهل أبيكم.. وتكونوا أنتم الأفضل.
كان محور تربيتها لأبنائها هو "الناس".. اتقاء كلامهم واحتقارهم، أو التعالي والتفاخر والعلو عليهم، بالناس وللناس تعيش، وفيهم ربت أبناءها، فلا يتحركون حركة، أو يشترون شيئًا إلا والناس في أذهانهم وقلوبهم حتى قبل التفكير في رغباتهم هم أنفسهم.. في حاجاتهم الحقيقية.. تتذكر وأنت ترى حياتهم قوله تعالى:{نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}. الحشر- 19.
وقد تكون هذه صورة فجَّة للتربية بالرياء والسمعة، وطلب الظهور والتفاخر، ولكن شيئًا من هذا لا تخلو منه معظم البيوت، فالكثير من الآباء والأمهات يأمرون وينهون أبناءهن من منطلق: ماذا سيقول الناس؟..
وقد يختلط الأمر على البعض بين واجب مراعاة الأعراف الحسنة، وإبعاد الشبهات عن النفس والأهل، وبين أن يكون منطلق التفكير ونية العمل هي نظرة الأهل والأقارب، واستحضار رؤية القاصي والداني.
فساد الدنيا والدين
فضلًا عن خسارة دينه، فإن المرائي يعيش معذبًا، فيه شركاء متشاكسون، لا يعرف للسلام النفسي طعمًا، ولا يجد إلى راحة البال سبيلًا.. ذلك أنه استبدل أنظار المخلوقين الضعفاء الناقصين بنظر الله الكبير المتعال.
وعندما يعتاد الإنسان من صغره على مراقبة الخلق فإنه لا يتحرك إلا بهم، ويسوء حاله إذا خلا، أو كان بين الغرباء، أو من يهونون عليه..
وذكر الناس كثيرًا يحول بين القلب وبين الله، ويجعل الهمة سافلة، والجيل إمعة، لا يقاوم خطئًا اجتماعيًا، ويسير دومًا مع التيار مهما فسد.
لقد هوّن الله تعالى من شأن الحياة الدنيا في كتابه العزيز، بذكره لما تدور حوله حياة الناس فيها، فقال: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} الحديد- 20.
فهذا هو متاع الغرور، وأهون ما في الدنيا سريعة الذبول، أن نتفاخر ونزايد على بعضنا البعض، أن نتزين لنكسر قلب، أو نتقي الهمزات واللمزات، أما الجمال الحقيقي، والمتعة الحقيقية، والرفعة والشرف في هذه الدنيا فهو ما اتصل بالآخرة.. قال صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وماوالاه وعالماً أو متعلماً)). رواه الترمذي وابن ماجه.
وتربية الأبناء بالرياء والسمعة هي أسرع طريقة لدبِّ الوهن في قلوبهم، الوهن الذي هو داء هذه الأمة العضال، الذي يهبط بها من خيريتها وعزتها وتمكينها، إلى تداعي الأمم عليها، واستباحة ديارها ومعتقداتها ومقدساتها.
فالوهن هو حب الدنيا وكراهية الموت، ومن ينشغل دومًا بالناس.. فخرًا ورياءًا ومنافسة يعشش في قلبه الوهن، ويعيش ويموت ذليلًا تائهًا مهما حقق.
فلا تفرحي أيتها الأم بكثرة ذريتك، أو نجاحاتهم العديدة، ما لم ترسخي فيهم مراقبة ربهم، وطلب رضوانه، وألا يخافوا في الله لومة لائم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ فقال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)). رواه أبو داود وأحمد وصححه الأباني.