معنى لفظ الجلالة الله
كلمة (الله ):هي اسم الذات يدلُّك لفظها على المسمّى جلَّ جلاله، ويبيِّن لكَ أنك إن عرفته تولَّهت
به عشقاً، وطارت نفسك لما تشهده من إكرامه وفضله شغفاً وحبّاً، فرب الناس، وربُّ الفلق هو الله.
ومعنى كلمة لفظ الجلالة (الله )مشتقة من كلمتي (أَلِهَ )و (وَلِهَ) أي: لو شاهدت ما آل إلى الله تعالى من مزيد الفضل والإكرام وعظيم الرحمة والمحبة والحنان عليك أيها الإنسان ولو عمَّقت بالتفكير بآلاء الله ونِعَمه عليك لتولَّهت به حبّاً وهياماً ولطارت نفسك عارجةً في بحور الجلال والجمال والعظمة الإلهية ولحلَّقتَ بنفسك التجاءً واحتماءً وحبّاً بذي الجلال والإكرام مقبلاً عليه لا ترى إلاَّه ولا تنطق بسواه ولا تنشغل فكراً وقلباً إلاّ بالحبيب الأول.
إذاً: الله هو الذي تتولَّه الأنفس به إذا هي أقبلت عليه، ويحار العقل في شهود كماله إذا هو نظر إليه فهو تعالى سبحانه العليم الحكيم، وهو سبحانه المتَّصف بالكمال الذي لا يتناهى، والذي تدلُّك عليه اسماؤه الحسنى. وكلمة (الله )هي اسم الذات العلية وهي الاسم الجامع لسائر الأسماء الإلهية، وإذا كانت كلمة (ربّ ) تشير إلى اسم من أسماء الله تعالى وهو المربي الذي يمد كما رأينا من قبل كل المخلوقات بما تتوقف عليه حياتهم من احتياجات. وإذا كانت كلمة (ملك ) قد عرَّفتنا باسم آخر من أسمائه تعالى مبيِّنة أنه سبحانه هو القابض الذي في قبضته جميع الموجودات.وإذا كانت كلمة ( إله ) تشير إلى اسم ثالث من أسماء الحضرة الإلهية مبيِّنة أن هذا المربي العظيم هو الذي تؤول إليه أمور الناس لا بل أمور سائر المخلوقات فهو وحده المتصرِّف بشؤونها المدبِّر أمورها ولا إله إلا هو وما لأحد من تصرّف سواه.أقول: إذا كانت هذه الأسماء الإلهية التي أوردناها قد عرّفتنا بما عرفتنا من معانٍ فإن كلمة (الله ) إنما هي جامعة لهذه الأسماء الثلاثة معاً وأنها تشتمل على سائر الأسماء الإلهية. وهكذا فكلمة (الله )هي الاسم الأعظم الذي يشتمل على الأسماء الحسنى والجامع لها كلِّها فإذا ذكرت اسم الله تعالى فقد ذكرت الخالق الرحمن الرحيم والرب الحكيم السميع البصير.وإذا ذكرت اسم الله تعالى فقد ذكرت العلي العظيم والقويَّ القدير والبارئ المصوِّر، والسلام المؤمن المهيمن، وإن شئت فقل:
إذا ذكرت اسم الله تعالى فقد ذكرت اسم الذات العليّة اسم الله الأعظم الذي يشتمل على الأسماء الإلهية الحسنى والدالة على صفات الكمال التي تبلغ تسعة وتسعين اسماً والتي أشار إليها (صلى الله عليه وسلم) بقوله:
«إن لله عزَّ وجلَّ تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنَّة »رواه البخاري ومسلم.
وليس المراد بكلمة (من أحصاها دخل الجنة )، أي من حفظها معدّداً ألفاظها واحداً فواحداً حتى يذكر تسعة وتسعين اسماً، بل إنما أراد (صلى الله عليه وسلم) بكلمة من ( أحصاها )، أي من صار له شيء من العلم بكل واحدٍ منها وشهد طرفاً مما يشير إليه كل اسم من أسماء الله تعالى.
فإذا أنت شهدت من رحمته تعالى بسائر الخلق وعقلت طرفاً من هذه الرحمة بما رأيته من معاملته سبحانه لعباده في الدنيا وأدركت شيئاً من رحمته بخلقه في الآخرة فقد آمنت برحمة الله وصار لك علم باسمه تعالى الرحمن، وإذا أنت شهدت طرفاً من عدالة الله في خلقه وعُرِضتْ لك وقائع عقلت نفسك معها أن العدالة الإلهية لا بد وأن تعطي كل ذي حق حقه فقد آمنت بعدالة الله وصار لك علم باسمه تعالى العادل.
وإذا أنت أَجَلْتَ الطرف فيما يقع عليه نظرك من مخلوقات، وشهدت الحكمة القائمة في تنظيم كل مخلوق وتناسُب أعضائه مع وظيفته التي خُلق من أجلها ثم تابعت التفكير في الكون وأدركت أن كل شيء قد وُضع في موضعه المناسب وبمقداره المطلوب دون انحراف أو زيادة ونقصان فأنت والحالة هذه قد آمنت بحكمة الله وصار لك علم باسمه تعالى الحكيم.
ولا أريد أن أفصِّل لك في كل اسم من هذه الأسماء الإلهية لأن الشرح والبيان ليس كالشهود والعيان وإنك لا تستطيع أن تشاهد أو تعقل طرفاً من هذه الأسماء الإلهية إلا من خلال تفكيرك بهذا الكون وما فيه من تنظيم وترتيب وحكمة وإن شئت فقل لا تستطيع أن تشاهد الأسماء الإلهية جميعها ما لم تنظر في نفسك منذ بدايتها، وتتابع النظر في الأطوار التي مررت بها منذ أن كنت نطفة حتى أصبحت إنساناً سوياً.
وإن أنت أردت أن تشهد طرفاً من قدرة القدير وحكمة الحكيم وعلم هذا الرب العليم والإله الرؤوف الرحيم فما لك من سبيل إلا أن تنظر في نفسك وتتابع النظر مفكِّراً في كل عضو من أعضائك وهنالك تشاهد التربية والملْك وتتجلَّى لك القدرة الإلهية في تصرُّفها وتدبيرها شؤون الخلق وتتدرج من ذلك إلى رؤية العلم والحكمة وتؤمن بأن الله تعالى واسع عليم وعادل رحيم وأنه سبحانه حكيم خبير وسميع بصير لا يعزب عنه من مثقال ذرَّة في السموات والأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.
وما تزال تتدرج في رؤية الأسماء الإلهية اسماً بعد اسم حتى تشهد طرفاً من أسمائه تعالى، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبَّار، المتكبّر، وما تزال ترقى متدرِّجاً في هذا الشهود حتى تصل إلى رؤية سائر الأسماء الإلهية رؤية متناسبة مع حالك ومع ما أنت فيه من إيمان، فإذا أنت شهدت وعقلت طرفاً من الأسماء الإلهية كلها فأنت مؤمن ولك البشرى بالجنة كما أخبر بذلك السيد الصادق الأمين (صلى الله عليه وسلم).
أمَّا ما دمت تقول:لمَ هذا ولم ذاك، وما دمت ترى أن فلاناً ظلمك وفلاناً أذاك وما دمت لا ترى تلك اليد الإلهية التي لا يخرج عن تصرُّفها مخلوق ولا يستطيع أن يتخلَّف منها إنسان، وإذا كنت لا ترى المرض رحمة والفقر فضلاً ومنَّة والهموم والغموم علاجاً وأدوية وخيراً ونعمة، وإن شئت فقل إذا أنت لم تعرف أن الكون كله تتصرَّف به يد واحدة جمعت في تصرُّفاتها به وفي كل حادثة من حوادثه علماً وحكمة وعدالة ورأفة وحناناً ورحمة وإحساناً ومنَّةً فما وصلت بعد إلى الإيمان التام بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وما أحصيت بعد جميع أسماء الله تعالى الحسنى، ولْتجدَّ في الطلب وما بعد الوصول إلا الطمأنينة والسكينة، وما بعد هذا الإيمان إلا الأمن والراحة والأمان وإنك والحالة هذه إذا أنت آمنت ذلك الإيمان الذي أشرنا إليه وبيَّناه لتشعر في نفسك إذا ذكرت اسم الله أنك قد ذكرت خالقاً عظيماً وربّاً عادلاً حكيماً وإلهاً مسيِّراً عليماً ومولىً رؤوفاً رحيماً، وهذا بعض ما نفهمه من كلمة (الله ).