إرث الحـقـــــــد
منذ الأسبوع الأول من ولدته – كما قالت جدتي- بدا من نظراته وكأن شررا بتطاير , وفي بكائه زئير أسد ثائر , أما يداه الناعمتان ترسمان إشارات وعد ووعيد ..
لم يأبه أحد بذلك , ولم تتنبأ والدته ولا من هم حوله بشيئ لكونه رضيعا في المهد , ولسنا في زمن المعجزات , ولا يعلم أحد الغيب , ....
ومرت الأسابيع والشهور والسنوات فأمسى الوليد الرضيع شابا قوي البنية , مفتول العضلات , فارع الطول , حاد اللسان , ثاقب النظرات , كثير الريب والشك والظنون , متهاون غير مبال .. وكبر معه حقد لم تعرفه العائلة , ولم يحدث أ، سمع به في القرية ... ينفعل لأتفه الأسباب ويختلق لها المسببات ...إذا تكلم أمر , وإذا غضب فجر , وإذا منع كفر ...
نكر حتى النطق بكلمة أمي , فهي بالنسبة إليه غريبة عن البيت , حقد على أخواته وأخيه , وعماته وأقرب الناس إليه .. كلهم في ك كيس واحد مخادعون – كما يزعم ويتخيل ...
أساء لمن مد له يد العون أية إساءة ... خاصم والده ونفثه بسم عينيه , وراح لا يعير له قيمة وجود ... وهكذا تعيش العائلة سوادها ليلا نهارا ومع ذلك فقلب الأم عليه انفطر وقلبه عليها حجر – كما يقال- كل يدعو له بالهداية , لكن أنى يستجاب فقد بلغ السيل الزبى وطفح الكيل واتسع الخرق على الخياط ...تمرد.. عصيان.. عقوق...
لايعجبه كلام , ولا تنفع معه نصيحة , ينط من مكان لآخر .. إذا اشتغل يوما عاش شهورا بطالا
يبتغي التحكم والتفرد في القول والفعل , ولا يحق لذويه وأهله المعارضة , يصدر أوامره وكأنه قائد جيش في معركة مجهولة الحد ود والعدد ...
منذ بلوغه لم يشاهد أحد يوما من أهل البيت الدمع عرف طريقه إلى مقلتيه ... كل من عرفه وعاشره خارج البيت يعتقد جازما أن والديه مقصران كثيرا في حقه ...
زين له شيطان خياله ذلك الأمر فشربه حتى ارتوى , وزاد الأمر تعقيدا بما يفرضه أحيانا على نفسه من انزواء وانطواء وعزلة ...
إذا رأيته خارج البيت حسبته أنه ملك ابن ملك ابن ملك , حقا ولكن ملك بدون عرش, وقائد دون جنود. وراح السن يتقدم به شيئا ما فهو أقرب إلى الكهولة , لكن أين العلامات؟ أين المواقف؟ أين البطولة والرجولة ؟... وراحت الأفواه الصادقة والكاذبة منها تؤول وتفتي وتبرم وتغزل وتنقض , وتنهى وتأمر , فنسجت من حوله بيتا من العهن المنفوش وفرشته بقش هش مغشوش وصففت النمارق المحشوة بطونها بإبر النحل وسعف النخل وفضلات حمير وبغل ...
وبثت الزرابي المزركشة بالإفك والبهتان من قول فلانة وفلان .. استراح عليها متغمطا ودخان سجائره عفوا أقصد سيجارته يملأ الأفق والمكان , فيسبح مع خيوطها العوجاء العرجاء بخياله في عالم الشيطان ..عالم مأهول بمردة الجان.كل هذا وصبر الوالدين والتضرع لله لم يغيبا عن شفتيهم ...ولكن..؟.
ابراهيم تايحي