خمس وعشرون سنةً حرقتها من عمر الصبا، وكفّنتها في تابوت النسيان، وحرقت
معها كلّ ذكريات الطفولة وأحلام الفتيات. خلعت لباس المدرسة، ولبست الكعب
العالي فقط لأجلك... لأكون تلك الأنثى التي توازي رجولتك.
تجرّدت من حليّ الفتيات، وعرّيت ذاكرتي من كلّ أسرار أحاديثها، لأرتدي
أثواب السيدات الناضجات، وأحتفي بمجالس الكبار.
أمام اتزان صوتك نسيت الضحك وضجة الفتيات، وضاع بريق الصبا بين تجاعيد
وجهك، وكأنّ خطوطاً بدأت ترتسم في وجهي لتصنع جسوراً تلغي مسافة زمنية بيني
وبينك.
نصائح صديقاتي أهملتها، وتجاهلت نظرات الناس وأطفات شمعة السابعة عشرة على
مقربة من سنواتك الأربعين.
استبدلت دفاتري وأقلامي بزينة النساء، وحاولت أن ألغي كلّ ملامح الطفولة
بخطوات مسرعة للدخول إلى عالمك.
أردت أن أكون هاجسك الوحيد، لذا حاولت التوغل في تفاصيل ذكرياتك، أنبشُ
رائحةَ المرأة التي أحببت، لأصنع لنفسي عطراً يشبه ملامحها، ويرضي رغبتك
بامتلاك كلّ النساء. لكن عبثاً كانت كلّ المحاولات.
ما كان عليّ أن أختصر خمساً وعشرين سنة لأصل إليك!!.. فبين أن أكون كما
تريد وكما أحبّ أن أكون.. دمّرت كلّ الجسور بيننا، وسقطت في هاوية النسيان.
لم أستطع بلوغ أحلامك، وفقدت براءة الطفولة، وفشلت في إيصال كلّ الرسائل
إليك، ليس لأنني لم أبلغ الثلاثين؛ بل لأنّ عمراً من التجارب ضاع منّي،
وحصلتَ أنت عليه.
وكلّ ما أريده الآن أن تنتظرني على الضفّة الأخرى للذاكرة لنلتقي بعد خمس
وعشرين عاماً من النسيان.