أين أنتم؟؟

زائر

أين أنتم

أين أنتم؟؟ 810613292

بقلم الشيخ الفاضل

أحمد القطعانى

تم نقل الموضوع عن صحيفة الشلال

العدد رقم (848) 22/2/2010

يا له من وصف ربانى بليغ أحاط بالموضوع إجمالاً وتفصيلاً أقصد قوله تعالى (إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت ـ المائدة 106) لقد أحاط اللفظ القرآنى الكريم بالموضوع فى كلمة إعجازية واحدة .

إنه مصيبة بكل معنى الكلمة ، العقل يذهل تحت وطأتها والوجدان يتالم من حر نارها والدموع تنفلت من محاجرها خارجة عن السيطرة ، اشد الرجال وأقواهم ينهار ثقل آلامه المبرحة حتى لا مفزع له إلا آهات حرى يتنهدها علها تطفئ نار فؤاده المتقدى وهيهات ، الموت سر لا زلنا لا نعرف عنه إلا أنه خليط مر كالعلقم أو أشد مرارة متكون من القهر والألم والعجز والوجع وجراح الفقد تُمزج معاً وتسقى فجأة وبلا سابق مقدمات لمن أبتلى بتجرع أسقامه.

السبت 6/2/2010 م كنت فى المقبرة أوارى صهرى الشاب ونيس الناجى العوكلى التراب فى مقبرة الفتائح ، لقد لاصق فى تربته الرجل الصالح العارف بالله المؤدب إسماً وصفة عبدالرحمن المؤدب ونعم الجوار ، الفقد مصيبة عظمى وتكون أعظم ألماً وصعوبة إذا ما كان الفقيد فى ريعان صباه ومقتبل حياته وعوضاً عن أن تراه مبتهجاً يمرح ويلعب ويمزح تلفه فى كفن وتهيل عليه التراب الثقيل وتتركه فى العراء وحيداً تحته.

ليت الأمر توقف عند هذا الحد بل جُلت مجبراً بنظرى فى أرجاء المقبرة أقرأ ما كتب على شواهد ساكنيها ،، الكتابة على شاهد قبر الميت هى ميثاق وفاء وعهد أكيد بأننا لن ننس فقيدنا وسنتعهده بالزيارة والدعاء له بظهر الغيب وإلا فهى قطعة جماد ملقاة فى العراء لتلهو بها الأمطار والرياح فى غيابنا.

يا آآآ ه … هذا قبر سيدى عبدالجليل الفزانى رجل مبارك من أولياء الله الصالحين قدم إلى مدينة درنه قادماً من واحة الغريفه فى فزان بعد طلبته إدارة الإستعمار الفرنسى وقتها للعقوبة بسبب مواقفه الوطنية فعاش فى كهف فى درنه محل تبرُك العارفين بقدره وإحترامهم ، لم يمتلك من حطام الفانية شيئاً حتى لقى وجه الله ، كنت أنا من صلى عليه ولقد رايت وجوهاً من الناس يومها يبدو عليه الصلاح لا عهد لنا بهم فى المدينة ، وهذا قبر الحاجة زكيه إمرأة ذاكرة عابدة من الصالحات المباركات أخذت عنى دلائل الخيرات وحزب سبحان الدائم ، ساهمت بحر مالها فى بناء العديد من المساجد داخل درنه وخارجها بل أخبرنى والدى عن أن برها وصل لمسجد فى اقصى البطنان ، وهذا صديقى المبروك الجربى أديب درنه الفصيح الذى تحدثت مع جامعة درنه لتكريمه كأحد أكبر شعراء المدينة المعاصرين المتميزين خصوصاً وقد وهب شعره لمدح الرسول صلى ألله عليه وسلم ولمدح آل بيته الكرام ، بيد أن المنية عاجلته قبل ذلك ، وهذا عبدالقادر الحصنى كان زميلى فى التعليم وكان مدرس جغرافيا فى مدرسة إبراهيم الأسطى عمر ، كان كله أدب وخلق توفى شاباً وترك أولاده صغاراً ، صافحت أحدهم وكان يشبهه مرة ففاضت عبرتى على لحيتى ، وهذه إبنتى هاجر توفيت غريقة فى ريعان صباها ولم تتجاوز الأربعة عشر ربيعاً وتركت فى القلب خنجراً غائراً

أعيانى على مر السنين شفاؤه ، وهذا خالد العبيدى كان طالباً نجيباً عندى فى منارة الصحابة للعلوم الشرعية مثالاً للخلق والثقافة ومكارم الطباع ، لقد كنا لمستواه العلمى وثقتنا فيه نسدُ إليه مهمة تعليم زملائه رغم كونه لا يزال طالباً بسبب عجز عانيناه فى المدرسين حتى تخرّج من الأوائل عندنا .

لسوء الحظ جُل من عرفت قبورهم أو قرأت أسمائهم على الشواهد ذلك اليوم حالك السواد كانوا أقرباءَ وأصحاباً وأحباباً ولن أفى ذكرهم أو حقهم مهما قلت أو كتبت وإنما هى آلام تراكمت على قلبى فعذراَ إن سكبت وزن شعرة منها على صفحات الشلال آملاً أن يغسل تدفقه بعض أحزانى (إنا لله وإنا إليه راجعون) .

تعليق المدونة …

بارك ألله فيك أيها الشيخ الفاضل على هذه الإنسانية وهذه العاطفة التى لامثيل لها ، إننى أتذكر ونحن أطفالاً عندما قرأنا فى الكتاتيب كنا نخاف من الشيخ لأنه قاسى فى معاملته والعصى لاتفارق يده وكان يضرب بها اينما سمع صوتاً حتى أن معظم الأطفال تسربوا واحداً بعد الآخر ولم يكملوا حفظ القرآن نتيجة لمعاملة بعض من المحفظّين ، ولكن اليوم اقول هنيئاً لهذه الأجيال بهولاء العلماء الذين درسوا وتعلموا أصول الدين كما يجب وإستطاعوا أن يخرّجوا حفظة لكتاب الله تعالى فجزاهم ألله ألف خير .

أما ما جاء فى مقالتك التى لا يستطيع الإنسان إلا الوقوف عندها وتفسير كل ما إحتضنته بين سطورها فهى سر من أسرار الخالق وتذكًر فى أهم أسراره ألا وهو الموت الذى لازال يحيّر العلماء العارفين ، فسبحان الله مبدع الكون ، إن كل من ذكرتهم كانوا من أهل الخير وعمل الخير ومشهود لهم بالطيبة ، ولن أنسى سيدى عبدالجليل الفزانى الذى كان يقيم بجوارنا فى منطقة بومنصور وكيف كنا نلجأ إليه فى تفسير بعض آيات القرآن ويوزع علينا بعض أجزائه ولا نعرف من أين يأتى بتلك الكتب الدينية ولا أنسى كرم وشهامة أهل منطقة بومنصور (جيران الصحابة) لما لهم من مواقف إنسانية تجاه كل من يقيم بتلك المنطقة ، لقد زرت سيدى عبدالجيل عندما دخل المستشفى وكان يضع بجواره ذلك الواقى (الكبوط) الذى يضعه على ظهره ويغطى به رأسه دون أن يلبسه وكم كانت رائحة الحجرة التى كان يقيم بها بالمستشفى تجلب الكل لتحيته والنظر إليه وكم سمعنا عن كرامات هذا العارف بالله الرجل الطيب الذى لا يسأل احداَ إلا الله تعالى . أما السيدة الفاضلة العابدة العفيفة النفس الزكيه حقاً فإننى سمعت عنها وأعرفها وهى زوجة رجل فاضل من درنه كان يعمل لوجه إلله تعالى وكم من أسرة فقيرة بهذه المدينة عاشت فى كنف ذلك الرجل الذى أعطاه الله تعالى المال الحلال من عمله ولا زالوا أبنائه لم ينقطعوا عن عمل الخير بالرغم من تقلب الدهر فى هذا الزمن الذى نادراً ما تجد فيه العمل لوجه إلله . كل من ذكرتهم لهم صيت طيب نسأل الله تعالى أن يتغمدهم جميعاً برحمته الواسعة وأن لايحرمنا أجرهم إنه سميع مجيب . بارك ألله فيك أيها الشيخ الفاضل واعانك على نشر الذكر الحكيم والمحبة بين الناس ومتعك بالصحة والعافية وحماك من كيد الحاقدين والحاسدين .

أين أنتم؟؟ موجود في : منتديات مملكة الفرات

توقيع????