صدر حديثاً كتاب "المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية، مع إشارة تحليلية لأبرز مصطلحات الحقيبة العولمية"، للباحث الأستاذ الهيثم زعفان، عن مركز الرسالة للدراسات والبحوث الإنسانية في القاهرة، وهو كتاب من القطع الكبير في 163 صفحة، الطبعة الأولى 2009.
والكتاب محاولة لوضع المصطلحات المستوردة والتي يجري تسويقها في العالمين الإسلامي والعربي بشكل واضح ومتعمد على طاولة التشريح والتدقيق بغية توضيح مغزى كل مصطلح منها، والأهداف التي يرنو إليها ترويج مثل هذه المصطلحات بين المثقفين ثم نقلها إلى الجماهير العربية.
ويعتبر الكاتب أن "قضية المصطلح قضية محورية في أي ثقافة من الثقافات، تعكس منهجية التعامل معها في توليدها وضبطها والمعايير التي تحكمها.. و مدى اتساق تلك الثقافة مع ذاتها.
يقول المؤلف: "قد كان المسلمون أمة المصطلح إبداعاً وتوليداً واشتقاقاً وبياناً، ووصفاً وتدقيقاً، وتأصيلاً وتقعيداً، بصورة مثلت ريادة حضارية في هذا الباب وكيف لا وقد أكسبهم القرآن صنعة بيانه، ودقائق منهجه، وطرائق استدلاله، ولهذا اعترفت بفضلهم مختلف الثقافات واقتفت سبيلهم كثير من الحضارات، وامتازوا بإعمارهم الأرض بمنهج الله الذي خلق كل شيء، هذا المنهج الذي يراعي الفطرة وينمي الخير، ويبذل السعادة لكل أهل هذه البسيطة."
وفي المقابل لا يرى الباحث أن الأمم الأخرى تتحلى بما يتوافر للمسلمين من العلم والعدل، ما يجعل كثيراً من مصطلحاتهم غير منضبطة وملتبسة، وتنقل بدورها إلى مجتمعاتنا المسلمة ما يعلق بتلك المصطلحات من معانٍ لا تتناسب وثقافتنا الإسلامية، بما يجعلها تعد معبراً لبعض المفاهيم الفاسدة التي تتسلل ثقافياً إلى مجتمعاتنا.
وقد اختار الكاتب من تلك المصطلحات نوعاً محدداً منها، وهي المصطلحات المقحمة على المجتمعات الإسلامية نقلاً عن الثقافة الغربية ضمن منظومة الأجندة العولمية، وأبرزها – كما وضعها الكاتب – هي ( حقوق الإنسان- تحرير المرأة – المجتمع المدني- الأصولية)
وأخضع الأستاذ زعفان هذه المصطلحات للتحليل الدقيق، وذلك بتبيان ظروف نشأة كل مصطلح في بيئته الغربية، وتفكيك المصطلحات للتعرف على مضامينها وتوضيح أثرها على الهوية الإسلامية، وذلك وفق المصادر البحثية والوثائق الدولية التي تتناول المصطلحات من وجهتها الغربية. منبهاً إلى حجم الخطر الذي يمثله تمرير هذه المصطلحات على الهوية الإسلامية، واقتضى تحذيره منها خمسة فصول تناولت بالشرح الدقيق هذه المصطلحات وتفكيكها ومكامن خطورتها، وعني الفصل الأول بتوضيح منهج الإسلام في التعامل مع المصطلحات الوافدة مبيناً نهي القرآن الكريم عن الألفاظ المحتملة وتحذيره من تورية اليهود في ألفاظهم، وموضحاً موقف علماء المسلمين من الألفاظ والمصطلحات الوافدة واستعمالاتها، والتي تضمنت:
- شرط تباحث المعنى وتفهم المضمون
- التفصيل في الألفاظ المحتملة للحق والباطل
- الأعاجم والموقف من اصطلاحهم
- عدم الاستهانة بإضفاء الصبغة الشرعية على المصطلحات الوافدة
- قبول الاصطلاح من حيث الاستعمال والمردود.
كما أوضح أهمية المصطلحات في ضبط المعارف وفهمها، والتعريف الإجرائي لها، مركزاً على مجال البحث وهو المصطلحات الوافدة المنتمية للعلوم الإنسانية.
ولفت الكاتب في الفصل ذاته إلى ترافق تغيير المصطلحات أو استيرادها مع "الاستعمار العسكري" ودورها المعاون، وجهد أصحابها في إبعاد المصطلحات الإسلامية المقابلة، كما نوه إلى علاقة المصطلحات الوافدة بعولمة النموذج الثقافي الغربي، واستعرض النموذج الفرنسي ومواجهة المصطلحات الوافدة.
وفي فصله الثاني تناول نشأة مصطلح حقوق الإنسان، منبهاً إلى خطورة المصطلح عالمياً، كون الإتفاقات الدولية التي تتناوله لا تقبل تجزئته، بما يتيح حرية تغيير العقائد بشكل يتعارض مع الشريعة الإسلامية ويؤثر على سلامة البنيان العقدي للمجتمع الإسلامي.
وتناول بعض الآثار الضارة للأخذ بهذا المصطلح بشكل شامل، كتقنين الشذوذ الجنسي، وإلغاء الحدود الشرعية، والتطاول على المقدسات، والضغط لإعادة قراءة الإسلام وفق معطيات حقوق الإنسان.
وفي فصله الثالث استعرض موجات استخدام مصطلح تحرير المرأة في القرنين التاسع عشر والعشرين، وآثاره المدمرة على المرأة، على أصعدة العقيدة والسلوك الشخصي، لاسيما الجنسي المنفلت، والضوابط الشرعية وأحكام الشريعة، لاسيما قضية المواريث والهوية.
وحذر الكاتب من مغبة إلزام الحكومات بتطبيق مضامين تحرير المرأة وعدم التذرع بأية موانع شرعية، بما يترتب عليه من مفاسد متنوعة.
وفي فصله الرابع تناول مصطلح المجتمع المدني بما يجلبه من توظيف غربي على المسلمين من استخدامه في مواجهة الإسلام، والتعارض الملاحظ بين نوعين من المؤسسات هما مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات العمل الخيري الإسلامي، وأجاب الكاتب على الأسباب التي أدت إلى رواج مصطلح المجتمع المدني وتأثيره على الهوية الإسلامية.
وفي فصله الأخير المتعلق بمصطلح الأصولية، أبان الكاتب الدلالات التي يعكسها إطلاق مصطلح الأصولية على فهم العقل الغربي المتلقي وذلك بحسب تحليله للرؤية الغربية للاصطلاح، وأوضح علاقة المصطلح بمصطلحي الراديكالية والتسامح، ومساعي الغرب لتوظيف مصطلح الأصولية في تذويب الهوية الإسلامية، ودأبه على تصنيف المسلمين، وتوسع الغرب في استخدام المصطلح – والمصطلحات المرافقة والمشابهة – للدلالة على رافضي التغريب، وفي لصقه بأتباع المذهب الحنبلي، وعلاقة المصطلح بالحرب على الإرهاب، وآليات الغرب في مواجهة ما يصفونه بالأصولية.