إنّي لأعْلَمُ، واللّبيبُ خَبِيرُ، أنْ الحَياةَ وَإنْ حَرَصْتُ غُرُورُ
ورَأيْتُ كُلاًّ ما يُعَلّلُ نَفْسَهُ بِتَعِلّةٍ وإلى الفَنَاءِ يَصِيرُ
أمُجاوِرَ الدَّيْمَاسِ رَهْنَ قَرَارَةٍ فيها الضّياءُ بوَجْهِهِ والنّورُ
ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثّرَى أنّ الكَواكِبَ في التّرابِ تَغُورُ
ما كنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أن أرَى رَضْوَى على أيدي الرّجالِ تَسيرُ
خَرَجُوا بهِ ولكُلّ باكٍ خَلْفَهُ صَعَقاتُ مُوسَى يَوْمَ دُكّ الطُّورُ
والشّمسُ في كَبِدِ السّماءِ مريضَةٌ والأرْضُ واجفَةٌ تَكادُ تَمُورُ
وحَفيفُ أجنِحَةِ المَلائِكِ حَوْلَهُ وعُيُونُ أهلِ اللاّذقِيّةِ صُورُ
حتى أتَوْا جَدَثاً كَأنّ ضَرِيحَهُ في قَلْبِ كُلّ مُوَحِّدٍ مَحْفُورُ
بمُزَوَّدٍ كَفَنَ البِلَى مِن مُلْكِهِ مُغْفٍ وإثْمِدُ عَيْنِهِ الكافُورُ
فيهِ السّماحةُ والفَصاحةُ والتّقَى والبأسُ أجْمَعُ والحِجَى والخِيرُ
كَفَلَ الثّنَاءُ لَهُ بِرَدّ حَيَاتِهِ لمّا انْطَوَى فكأنّهُ مَنْشُورُ
وكأنّما عيسَى بنُ مَرْيَمَ ذِكْرُهُ وكأنّ عازَرَ شَخْصُهُ المَقْبُورُ