يعتبر العقل البشري كنزاً من الأسرار، كلما توصل العلماء إلى فك أحد رموزه وشفراته، وقفوا عاجزين عن عشرات الأسرار المعقدة الأخرى، وعلى الرغم من أن محاولات فهم العقل تاريخية ترجع إلى نظريات الفلاسفة القدماء واجتهادات سقراط وأرسطو، ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، إلا أن أحدا لا يستطيع الجزم بأنه قد تم اكتشاف كل شيء عنه، فالمصطلح رغم بساطته إلا أنه يستخدم لوصف الوظائف العليا للدماغ البشري، خاصة عندما يكون الإنسان واعياً مثل الشخصية والتفكير والجدل والذاكرة، والذكاء، وحتى الانفعال العاطفي يعتبر ضمن وظائف العقل .
وقد اكتشف العلماء مؤخراً عدة حقائق جديدة عن العقل البشري، أهمها أنه في حالة تطور مستمر وذلك بعد عقود من الاعتقاد أن الإنسان يحتفظ بحجم مخه كما هو منذ ولادته وحتى رحيله، إضافة إلى أن حجم الدماغ أقل أهمية بكثير من تكوينه .
كما توصل العلماء إلى إمكانية استخدام الخلايا الجذعية كوسيلة حديثة لعلاج الخلل الذي يصيب خلايا المخ ويتسبب في أمراض مثل الزهايمر والباركنسون .
الأهم من ذلك هو البحث عن وسيلة مناسبة للتحكم في الخلايا الدماغية العصبية المسؤولة عن استثارة الألم في أي مكان في الجسد، وإذا تم التحكم بها فستكون فتحاً جديداً لعلاج عشرات الأمراض المستعصية .
مجلة “نيوساينتست” قدمت موضوعاً موسعاً عرضت فيه النتائج الحديثة لعدد من المواضيع المختصة بالدماغ لتفسر غموض بعض العمليات الذهنية الخاصة، مؤكدة أنه قبل البحث عن إمكانية “استنساخ” عقل بشري جديد، يجب علينا التأكد من مدى دقة فهمنا للتركيبة المعقدة الموجودة حالياً، واستبعدت إمكانية محاكاة العقل البشري مهما توصل الإنسان إلى برامج ذكاء اصطناعي .
كيف تصنع الذكريات؟
تعتبر الذكريات المادة الرئيسة للأفكار، تدخل إلى مخزن معارفنا القديمة، نستدعيها بكل مرة نحتاج إليها عند القيام بوظيفة معينة .
وحتى الآن لم يتمكن أي باحث حتى الآن من التعرف إلى الشكل المادي للذكريات، التي تعتبر سراً غامضاً، وما العمليات التي تحدث في الدماغ عندما يتم ترميز ذاكرة جديدة؟
ويعتبر الباحث كيسلى مارتن من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، هو أول شخص بالعالم حضر “عملياً” تجربة شاهد خلالها تشكل الذكريات في مراحلها الأولى، عندما بدأت تظهر بروتينات “شكل معين من إفرازات الخلايا العصبية” عند نهاية الأفكار التي تم تخزينها كمعارف في عملية معقدة للغاية .
وتحفظ الذكريات القصيرة الأجل مثل أرقام الهواتف المستخدمة، في منطقة تعرف بالحصين Hippocampi وهي على شكل كرة لولبية مدفونة على عمق كبير في المخ .
وفي عام 2008 أجرى الباحثان كورتنى ميللر ودافيد سوات من جامعة ألباما تجربة على الفئران لاختبار كيف تتشكل ذاكرتها، كانت من نتائجها أنه خلال الساعة الأولى من أي تجربة تحدث تغييرات كيمائية في DNA للأعصاب بمنطقة “الحصين”، وتدريجياً تتغير البروتينات التي ينتجها المخ، وتقل تدريجياً خلال أسبوع من إجراء التجربة، حتى يصبح الحدث “ذكرى قصيرة الأجل”، أما تلك التجارب التي تعرضت فيها الفئران إلى خوف كبير، أو مخاطر حقيقية، فاحتاجت وقتاً أطول حتى تتحول إلى “ذكريات” وتنتقل إلى منطقة تدعى “اللوزة”، وتم محاولة محو هذه الأحداث من ذاكرة الفئران، عن طريق قتل نقاط الاشتباك العصبي في المنطقة التي تخزن هذه الأحداث .
وعلى الرغم من المحاولات العلمية المستمرة للتعرف إلى الكيفية التي تتشكل بها الذاكرة لدى الإنسان، والتعرف إلى دور الخلايا العصبية في ذلك، إلا أن التقدم الذي تم إحرازه لا يزال ضئيلاً للغاية، لتستمر الذكريات أحد الأسرار الدفينة، والعمليات المعقدة التي يقوم بها الدماغ، ولا يستطيع العلماء حتى الآن كسر الدائرة التي تتحول من خلالها الأحداث إلى ذكريات