الزكاة في الإسلام
الزكاة: تعني الطهارة لغة وتعني الكمال.. يقال زكى الطعام أي أصبح طيباً لذيذاً خالياً من الشوائب والنقص.. وبالزكاة تطيب النفس والجسد والحياة، ويهنأ المجتمع ويبلغ ما يصبو إليه من الكمال كما يسمو ويخلص من الفقر والحرمان والصفات المنحطة كالحقد والبغض والألم والشكوى ويهنأ بالعيش في ظلال المحبة والتعاون والفلاح فمن هذا الحديث الشريف يتبيّن أن الزكاة هي إحدى دعائم بناء الإسلام الشامخ التي بدونها سينهار البناء كله. حيث أن الصحابة الكرام قاتلوا المرتدين الممتنعين عن تأدية الزكاة ولم ترد في القرآن آية عن إقام الصلاة إلاَّ ورافقتها آيةٌ عن إيتاء الزكاة، إذ أن قيام الصلاة أي صلة النفس بربها لا تنعقد ولا تتم إلاَّ بتأدية الزكاة؟. إن الزكاة هي تأدية المال الذي هو أثمن شيء على النفس لأنه مادة الشهوات من أجل التقرب من الله، فيكون المزكِّي قد قدَّم عرض الدنيا ابتغاء الآخرة وابتغاء مرضاة الله والتقرب زلفى إليه. والنفس تتبع عملها. وقال سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم: «قلبك حيث تضع كنزك فضع كنزك في السماء». فبتقديمنا للزكاة لإرضاء الله في الإحسان لمخلوقاته إذ أنه تعالى غنيٌّ عنَّا وعن أموالنا ولكنه لا يطلب منا إلا المودَّة في القربى وبهذا يتم رضاه عنَّا وتصبح نفوسنا واثقة من إحسانها فتقبل على ربها وتطهر بإقبالها المبني على عملها، إذ حين تقبل على الله واثقة من إحسانها يسري النور الإلهي إلى مواضع الشهوات المنحطة في النفس فيطهِّرها من جرثومها الذي يقضُّ مضجعها ويحط من قدرها عند الله وعند الناس فتخلو النفس من شوائبها السيئة وأدرانها وتشفى بنور ربها ويصبح إناؤها مفتوحاً لتنصب فيه الكمالات الإلهية ويغدو الإنسان إنساناً حقاً وقد امتلأ قلبه بالرحمة الإلهية والعطف على الخلق والإحسان للناس كافة كل بحسب ما يناسبه. وبانعقاد صلتها مع ربها لا تخشى في الحق لومة لائم وتكتسي بوشاح الفضيلة والرحمة والشجاعة والكرم وكافة الصفات العليّة وتكتسب عمرها الثمين وتضحى أهلاً لرعاية إخوانها في الإنسانية، فيرفع الله شأنها في الدنيا لتكسبها مطيّة للتقرب زلفى إليه وفي الآخرة يكون بما قدمه من الفائزين المقرَّبين. هب أن هناك شخصاً نسي في معطف طواه في صندوق /100/ ليرة ثم احتاج لبسه بعد انقضاء عام كامل فوجد أحد أفراد عائلته المئة ليرة التي كان عنها في غنى، وجدها وهو غير محتاج إليها فهل يصعب عليه أن يهب فقط ليرتين ونصف لمن وجدها، أم هل يثقله ذلك وهو ما كان يأمل بوجودها؟ بالطبع لا يصعب عليه، إذ لو بقيت المئة كلها مفقودة لما بالى بها فكيف وكأنه ربح /97.5/ ليرة هبة من السماء؟.
وهكذا نسبة الزكاة كما حددها الرحيم في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل. وهب أن هناك /100/ عائلة غنية في مجتمع، متوسط غناه الاجتماعي الإجمالي /10/ ملايين لكل عائلة مما يفيض على مصروفها ونفقاتها السنوية فلو قدَّمت كل عائلة النسبة السابقة أي (2.5%) مما يفيض لديها، وهذه النسبة الضئيلة لن تبال بها تلك الأسرة الغنية، كما لن تسبِّب لها أي فقر أو حرمان أو عجز لأن المال الوفير عندها فائض. فلو كان ذاك المجتمع فقيراً وكان للعائلات فيه معامل فإن استهلاك المجتمع الفقير لمنتجات معاملها سيكون ضعيفاً لعوز الفقراء وعجزهم عن الشراء بسبب الفقر. هذه الأمثلة واقعة حقاً في معظم بلدان العالم إلاَّ ما ندر وهذه مشكلة العصر. فلو قامت السلطة بجمع النسبة المئوية الضئيلة المذكورة (2.5%) من الفائض المالي لكل أسرة غنية أو شخص غني فجمعتها لشكَّل مجموعها مبلغاً ضخماً يبلغ /25/ مليوناً من الليرات أنشأت به معملاً فشغَّلت الأيدي العاطلة الفقيرة وكررت ذلك بمشروع خمس سنوات فأنشأت خمسة معامل لما بقي في المجتمع أيدٍ عاطلة عن العمل. إن العاملين في المعامل والإداريين والرؤساء كانوا قبل العمل لا يستطيعون شراء أسِرّة وسجَّاد ومنتجات كثيرة فحالما عملوا أخذوا يشترون ويتوسَّعون ويستهلكون من منتجات معامل العائلات الغنيّة والتي كانت بضائعها كاسدة بسبب فقر المجتمع الذي بدأ قسم منه يعمل ويتحسّن مستواه المعيشي وبذلك جرَّت لهم الزكاة مغانم كثيرة وازدادوا غنى، وتحسَّن وضع المجتمع عموماً، ولا تنقضي خمس سنوات أخرى حتى يقضى على البطالة بالمجتمع تماماً.. وتصبح سوق منتجات معامل الأغنياء في صنوف أخرى رائجة جداً بسبب تحسن أحوال المجتمع المعيشي الذي سببه إيجاد العمل فينهض المجتمع كله بسبب الزكاة. الغني يزداد وسعة وغنى والفقير يزداد يسراً ويصبح الفقراء ميسورين وتتحسَّن أحوالهم وبالعمل يقوى المجتمع ككل هذا من جهة ومن جهة ثانية تؤخذ أرباح المعامل إلاَّ القليل للصيانة والإصلاح وتوضع في ميزانيات مستقلة وتوزع على شكل رواتب ثابتة على الفقراء الذين لا يستطيعون العمل واليتامى والعاجزين صحيّاً أو سنّاً والأرامل وما إليهم بما يكفي معيشتهم بواسطة أيدٍ نزيهَة أمينة ولها رواتب ثابتة منها، وبهذا يتم القضاء على كل مشاكل المجتمع بكل وجوهها.
ولو نظرنا للإله من ثنايا صنعه لذهلنا إعجاباً وتقديراً بالكمال الجاري والساري على أي مخلوق وليكن نباتاً أو شجرة، إنساناً أو حيواناً، أرضاً أو كوكباً في مجال خلقه الكامل البديع أو بيئته المناسبة أو وظيفته وما إلى ذلك من الكمالات التي يعجز عن إيجادها سواه، إذ لو تأملنا وأمعنا النظر فسنتحقَّق من كماله المطلق في كل الوجوه التي وضع بها.
هذا صنعه تعالى فكلامه جلَّ وعلا يماثل أفعاله. فإذا طبَّقنا قوله فسيسمو بنا لنتائج مثمرة مفيدة بشكل صاعق لنفع المجتمع ككل وكل فردٍ عضو فيه.. وكما أن الله سبحانه للجميع كذلك فإن نصائحه للجميع. إذ أن سعي الإله ومحاولاته هي لخير الجميع بكافة الوجوه.
فلو طبقنا توزيع الزكاة فسيتأمن نمو ثروة الأمة بتوازن منطقي ثابت، كما تتأمن العدالة الاجتماعية والرضى النفسي والشعور بالرفاه لدى الشعب كله. كما سيضمن بصورة عملية لا نظرية أن النشاطات الاقتصادية الناتجة عنه ستكون بمنفعة البلاد واقتصادها على خير الوجوه وهذا ما تعجز عن تحقيقه كافة الأنظمة الغربية والشرقية عملياً. هذا ويمكن تحقيق هذه الأهداف عملياً لأنها من صنع الإله الذي يسيِّر كافة الكائنات بنظام كامل لا يخطئ. قال تعالى:{..وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنينَ..} (سورة المنافقون: الآية (8)). إنَّهُ لمن المسلَّم به من وجهة النظر الإسلامية أنه لا يجوز أبداً إذلال الفقراء من المؤمنين مهما بلغت بهم الفاقة والعوز.
إذاً فكيف يتسنَّى أن نسد عوزهم ونعمل على إسعادهم دون المساس بكرامتهم وعزَّتهم ودون إذلالهم حافظين لهم كرامتهم وعزتهم والمؤمن عزيز لا يجوز إذلاله لقيم مادية، لذا فإن توزيع الزكاة على الفقراء من المؤمنين لا ينبغي أن يتم ويدهم سفلى ويد الغني المترف هي العليا أي ينبغي أن يتم العطاء بنظام صارم في الدقة تماماً كنظام الكون الذي يسيّره الله بنظام صارم في الدقة أيضاً.
فالكون والخلق يجريان بنظام بديع ناجح يدعو إلى الإعجاب والتقدير وبديمومة لا تتناقص أو تضعف على كر الدهور ومرّ الأجيال وهكذا يقتضي أن يكون توزيع الزكاة كما أرادها وأمر بها الله