الجار قبل الدار
الأخوة والرحمة والإخلاص معايير إنسانية , ننشدها جميعا أينما كنا وباختلاف اعتقاداتنا
,لكن للأسف ما يشهده الواقع من مظاهر متعفنة تؤكد بعدنا تماما عن كل هذه القيم السامية . فأصبح السعي وراء المادة والكسب السريع دون أدنى اعتبار للوسيلة المتبعة كالغش ,التزوير
الرشوة , السرقة , يبرر لأصحاب هذه الوسائل مشروعية أفعالهم على كل المستويات , لكن سنلقي الضوء على زاوية واحدة مرتبطة أساسا بعلاقة الجوار .لا طالما رفعنا شعار [ الجار قبل الدار] ورددناه دون وعي لحقيقته ولا لثقل المسؤولية التي يجب أن يتحملها كل منا أمام جاره , الشيئ الذي أحدث تفككا خطيرا في النسيج الاجتماعي , حيث أصبح أصحاب النفوس الضعيفة الذين استهوتهم نزعة الشر واستعبدهم الغدر يعدمون الثقة بين الجار وجاره , إلى حد أن أصبح الواحد منا لا يأمن على نفسه وبيته من شر الجار وغدره , وأصبح التنقل إلى بيت جديد يحمل معه الكثير من التساؤلات , حتى أننا نضطر إلى إجراء تحريات مكثفة عن الجوار وطبيعة سكانه, وفي هذا الكثير من المضايقة لسماسرة العقارات , والتحري عن سكان المنطقة , وبالتالي تعددت اختصاصات السماسرة , فلا نستغرب يوما إذا باشروا فتح مكاتب للتحري والبحث إرضاء لزبائنهم الذين أصبح لا يغريهم سعر المسكن ومساحته وإشرافه , بقدر ما يغريهم الجوار الطيب الآمن الخالي من الأمراض حرصا من الجميع على توفير المحيط الملائم
لنشأة سليمة وسوية لأطفالهم حتى لا يصطدموا لاحقا بأنماط سلوكية فاسدة منحلة تشكل منبت سوء ومصدر انحراف لهم. ومن باب التمثيل لا من باب الحصر سنتحدث عن السرقة التي انتشرت ضمن إطار الجوار , والتي أصبحت حكرا في أغلب الأحيان من الجار على الجار .
فالكثير من السرقات والتي استقرت في نظام حياتنا يكون الجاني فيها جار للمجني عليه , نقولها ونؤكدها بكل مرارة لكنها واقع لا يمكن إنكاره إن التسلل داخل هذه الشبكة المنحرفة يجعلك تستنج وبوضوح قوانين التنظيم التي يشرعها اللصوص لنشاطاتهم , والتي بمقتضاها تقسم المدينة إلى قطاعات معلومة الحدود والأصحاب , حيث لا يجوز لغيرهم النشاط داخلها الا بتأشيرة دخول من أصحابها الذين قد يشتركون في السرقة مباشرة أو يشرفون عليها بالتخطيط المحكم باعتبارهم أعلم الناس بالمنطقة [ فأهل مكة أدرى بشعابها] , وأصبح من البديهي أنه إذا حدثت سرقة أن تتوجه الأنظار والاتهامات إلى أنشط عناصر الحي لاشتراكهم بطريقة أو بأخرى في العملية , وبهذه الحالة لا يسلم الجار من أذى جاره في الوقت الذي يدعونا الإسلام إلى الإحسان إلى الجار والعناية به , وحفظ ماله وعياله , فعن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: قال عليه الصلاة والسلام : ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه
- رواه البخاري-.
وفي شرح هذا الحديث أن حقوق الجار على الجار كثيرة , حتى أنه أصبح من أهل القرابة الذين لهم حق الميراث , علما بأن الوصية لا تكون الا في أمر ذي شأن مما جعل النبي – صلاة ربي وسلامه عليه – ينتظر أن يسهم المسلم للجار نصيبا من الميراث, لما بينهما من صلة وثيقة ورابطة محكمة , وحصول الجار على نصيب من ميراث جاره دليل على اعتباره من جملة أفراد العائلة . روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( : والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن , قيل من يا رسول الله ؟ .قال: من لا يأمن جاره بوائقه)
وما تكرار الرسول صلاة ربي وسلامه عليه لهذا اليمين الا تأكيدا على أن الإيمان لا يتحقق الا بحماية الجار وإبعاد الأذى عنه .
فالجوار علاقة اجتماعية قائمة بذاتها , يحثنا عليها الإسلام حتى وإن كان الجار غير مسلم , حيث ورد في الأثر أن يهوديا كان يجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان يضع الفضلات يوميا أمام بيت الرسول صلاة ربي وسلامه عليه , وما كان من النبي الكريم الا أن يميط هذه الفضلات ويفرغها أينما يجب . لكن حدث وأن لاحظ عليه الصلاة والسلام غياب هذه البقايا لأيام , فتساءل عن جاره وعن حاله فقيل له : إنه مريض , ذهب صلاة ربي وسلامه عليه لعيادته معبرا له عن قلقه لهذا الغياب , فما كان من شأن هذا اليهودي الا أن أسلم لما لقاه من تسامح في الإسلام رغم ما كان يسببه من أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
إذا كان هذا هو الحال مع الجار اليهودي فكيف يكون والجار مسلما؟ أو ذا قربى ...؟
لقد أقر الإسلام أن للأول حقا واحدا , وأن للثاني حقين وهما الجوار والإسلام , وللثالث حق الجوار والإسلام والنسب .............
فأيــــــن حقــــوق الجــــار وأنت الجـــــــــــــانــــي والجــــــــــــــار؟
وبالتالي فأين الأخوة والترابط واللحمة والتلاحم بين أفراد هذه العائلة ..؟
أين الانسجام والتناصح وحسن الحوار ومنطق الكلام؟
أين غابت النخوة ؟ أين الصدق ؟ أين المحافظة؟ أين السلام؟
أين التآزر والأثرة ؟ ...........
من نحن في وسط هذه الدوامة ؟
بقلم/ الأستاذة /فريدة تايحي
الأستاذ/ ابراهيم تايحي