وفي الناس صنفان:
صنف يستقبل رمضان بالموائد والمطاعم والمشارب، يقضي معظم
النهار نائماً، ويقطع معظم ليله هائماً.
والصنف الثاني يستقبل رمضان بالعودة
إلى الله، والتوبة، والاستغفار، وترك ما نهى الله عنه من العصيان، لا سيما في شهر
الرحمة والغفران والعتق من النيران..
والحكمة من الصيام، الحكمة التي من
أجلها شرع الصيام هي: التقوى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كم كتب على
الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
ألسنة صائمة عن الفحش والسباب والرفث، وآذان
صائمة عن سماع الفحش من القول، وأعين لا تنظر إلى حرام، قلوب مخبتة إلى الله
ناظرة.
والخسران العظيم أن نخرج من رمضان، ولم نزدد فيه حسنة، ولم نرقى فيه
عند الله درجة ذلك وربي هو الخسران المبين.
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب
***ٍ حتى عصى ربّه في شهر شعبان ِ
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما *** فلا
تصيّرهُ أيضاً شهر عصيان ِ
والفائز والرابح بإذن الله هو من صام امتثالاً
لأمر الله، ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى، فتكون المكافأة كبيرة
والعطية جزيلة.
أخرج ابن أبي الدنيا وغيره بسند حسن من حديث عبد الله بن
عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام
والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان))
فاجتهدوا أحبتي بتلاوة الذكر الحكيم آناء الليل وأطراف النهار، فالقرآن إما شاهدٌ
لك أو عليك.
فيجب علينا استقبال الخير والإحسان بالخير والإحسان، بهجر
المنكرات، وترك الموبقات وعلينا بصلة الأرحام وبر الوالدين فإنها ترضي الرحمن وتدخل
بها الجنان برفقة المصطفى العدنان.
إنه شهر الخير والعطاء والبر والنماء،
إنه شهر الإحسان والجود والكرم والبذل في سبيل الله، فلا تنسوا أحبتي إخوانكم
الفقراء والمساكين، والأرامل والأيتام المحتاجين، والله من الناس من تمر عليهم
الليالي ولا يجدوا لقمة يفطروا عليها، أو شربة يمسك بها، وأنتم تنعمون بالخيرات
والعطايا والهبات، فأروا الله من أنفسكم خيراً.
يقول خالد القسري: إن أكرم
الناس بذلاً من أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفواً من عفا عن قدرة، وأوصل الناس
رحماً من وصل عن قطيعة.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -: ((أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله، قالوا يا رسول الله:
ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر)) أخرجه
البخاري.
وكان الربيع بن خيثمة لا يعطي السائل كسرة خبز، ولا شيئاً مكسوراً،
ولا ثوباً مرقعاً ويقول: أستحي أن تقرأ صحيفتي على الله، وفيها الأشياء التافهة
التي أعطيتها لأجله.
اعمل من خيرٍ وتصدق كي تفتح أبواب الجنة
ما ينقص
مالٌ من صدقة قولٌ من أزهار السنة
وأخيراُ: نسأل الله - عز وجل - أن يكون
نصيبنا من هذا الشهر الكريم نصيباً وافراً مباركاً، وأن يرزقنا الباري - عز وجل -
المغفرة والرحمة وجنة عرضها السموات والأرض، وأن لا يكون نصيبنا منه الجوع والعطش،
وأن لا نكون ممن قال عنهم الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم -: ((فإن الشقي من
حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم)).