في انتظار مسيلمة الفي امل
طال الانتظار , وانكمش النهار وسدل الستار, ولم يبدو للزائر الطيف من غبار
قالت البنت لأمها: ما دعاك..؟ ما دهاك..؟ يا أمي لهذا الأمر
قالت الأم: صه..صه.ما بك ؟ وما فيك أشد من خطورة مستنفر الحمر.
مسكينة هذه البنية , تتلوى من شدة الألم الذي برأسها , وقد عجز الأطباء عن مداواتها , وأي دواء لداء لم تستنطقه المخابر ولا المشافي , ولا رجال الحضر والفيافي.
إن الذي أصابها عصرها ... تراها تهذي ولكن لا تؤذي , تقول كلاما ليس من حقيقتها في زمام .
وجيئ بمولانا اليربوع ... اشعلوا الشموع , بثوا الزرابي , صفوا النمارق , فقد هل الحكيم مبدل التاء بميم, لا يتوان لسانه عن ذكر بسم الله الرحمن الرحيم
ويجلس مقطبا ما بين الحاجبين. من عينيه يتطاير الشرر فيذيب الصلد من الصخر , لفنا بنظراته التي أذهبت عقولنا وأفزعت أشجعنا .
شرع في نثر البخور على التنور , وشفتاه تغربل حديثا لم نسمع به في الأولين
ويداه كشراع فلك مدا وجزرا بين أطلسين , وفجأة راح بسوطه يشبع المسكينة ضربا أقسى من عضة التنين , وتناست البنية ما بها من شدة لسعة السوط وهول منظر هذا الإخطبوط .
تناول قطعة قماش كانت بجانبه فغطاها بها ثم تنهد وقال: الآن دعوها ترقد ولا توقضوها حتى الصباح.؟
وقبل أن يغادر هرعنا نغسل يديه بدموعنا فرحة وابتهاجا لشفاء البنت – أو هكذا كنا نعتقد- وتبركا به .
ولم ننتبه لسرعة خروجه بل قل هروبه , وما كنا لذلك بمقدرين.
وحل الصباح فذهبت الأشباح, لكن ما هذا النواح ؟ قد ماتت المسكينة ... ماتت
اليتيمة .
جرى البحث والتفتيش عن مسيلمة الفي امل – هذا ما عرفناه بعد فوات الأوان-
أنه مشعوذ دجال ,مأواه الكهوف والجبال .
وتمر الأيام مزجاة ومزاجا وإذا بالفي امل جثة هامدة في زريبة البغال.
وعين الله ساهرة وانتقامه لا ترده قاهرة ... وتبقى الأم في أزقة الحارة تجر رجليها
وهي لا تعي من حولها أو من كلمها أو سألها فكل ما تفهمه منها :ا بنتي آمنة...
ابراهيم تايحي