...هكذا يموت الماضي...
أضحى البر والبحر شقيقين , وأمسى الأبيض والأسود أخوين
وبين الشقيقين والأخوين نبتت العداوة , ونمت سيقان الضغينة
بين الأمس واليوم صراع سرمدي ....صراع سجــــــــــال...
وانتصر الماضي على الحاضر ..وراح الحاضر يستنجد بالمستقبل
تآخى المتناقضان , واشتدت عرى المحبة المقنعة بينهما على حساب الماضي الأمين الآمن
فخربت مساجد... وهدمت صوامع... وبيعت الهمم بثمن بخص في نوادي النخاسة وسوق
العبيد , وفي خيم الجواري , وأمست رؤوس الفتنة معيارا للقيادة , كما أضحت النميمة مقياسا للريادة ....
وفي ليلة يتيمة من ليالي هذا العصر المستبد تمخض صبحها فأنجب سادة هم أقرب للقردة .... وهكذا جرت سفن الطمع بمجاديف الجشع فوق ظهرها رؤوس شياطين , صيحاتهم ملأت الأفق
والأفاق بالخوف والهلع ....
إنهم بشر مثلنا ...يصلون الصبح والعشاء لكنهم لحب الدنيا وكنوزها أمراء .... وجاءت لحظة الفصل , ونطح كبش الفداء ذاك الماضي المجيد ... يداه مضرجة بالدماء .
دماء من جسمه سالت ..ولسان حاله يتحسر بلا نداء ... قاتلاه- حاضر ومستقبل- بلطمة لسان
ودينار البخلاء ..... ذابت معالم الماضي على أرض بلا سماء وفي صبح بلا مساء , ولكأس
النشوة جرى لعاب الرياء , وفوق الحلبة رقص الأشقياء زهوا وخيلاء.....
فيا حسرتي على اسم كان لفعل ناقص سناء , ويا أسفي على الحبلى من النســاء على حاضر عار ي الكساء , ويا ندمي على مستقبل لا يبدو له ضياء
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
كيف لمن يسمع ما يشيب الجنين من قصة جميل وبثينة؟
وكيف يطيق من هم على الشاطئ حال غرق السفينة
أجل مات الماضي... جيري توقف التقاضي.... نعم هكذا قال القاضي ....
أمطري يا سماء بسيل من الوباء؟,فلم يبق على وجه الأرض ممن هو أهل للوفاء ....
قتلوني بطعنة خنجر مكلوم مسموم ...هي قدمته لهم على صحن من الأحشاء ...
أحشائي هي ... دمائي هي .. هكذا يداس النبلاء
هذه مقصلة الماضي, وذاك حبل به يشنق الصفاء
هكذا هوى عرش بلقيس, عرش الود والهناء
هكذا تجف مياه سد سبإ ,فيموت عطشا ذكور الظباء
هكذا يقبر خبري ردما , فقد ائتلفت علي قلوب الأعداء
هكذا حالها, فلا أمن بعد اليوم لأنثى من بنات حواء
هي حية متسلقة تسعى , هي متلونة تلون الحرباء
وعدت بعد أمد شبحا يطوف الأمصار ويجوب البيداء
شرابي دمع من المقلتين جرى وكبدي شب على العناء
ذكرتها لأنني لا زلت أحبها رغم الهجر والالتواء
وراح صباي الحي يرجمونني فجرا وعند العشاء
ولوكرها فررت بحبي مناجيا ما في السويداء
فحن نبضها من جديد وقال مرحى بمن لا يعرف الجفاء
وبادلتني اللوم عتابا فقلت كفى يا قلب لا وقت للبكاء
ابراهيم تايحي