شذى الروح
أنت للصمت المخيف أقرب, أنت تتجرعين سم عقرب
أنت كتلك وتلك كهن , وهن صحيبات يوسف , ويوسف لم يغل ولم يذنب
بل زليخة زاغت , همت به وهم بها , لولا العفة وبرهان الرب
حرمته الحرية والماء العذب, فكالت له التهم ورمته في ظلمات الدرب
ولحلم النائمين فسر , احدهما يقتل والآخر للعرش مؤدب
وتجر عربة الزمن سنواتها , ويوسف ثابت بوتد الحسب
وجاء الخادم يوسف , الملك إياك يطلب
ويصيح العفيف لما السجن والسبب؟
وحصحص الحق فقالت يوسف, برئ لم يقرب
وتربع يوسف عرش العجم والعرب ولبضاعة مزجاة إخوة طلبا للزرع والحب
وبلباقة الأنبياء يوسف أدرك صلة الرحم,إخوتي هؤلاء رموني في غياهب الجب
وراح يسوس عقولهم وكاد لهم, فتنادوا بينهم هذا أمر عجب
وعادوا صفر اليدين مخلفين , أخا ليوسف أحب
والآن وما بعد الآن , وما كان وما بعد كان, الأمس والغد واليوم لدي سيان
فلما هذا البؤس المقنع؟, لما الحيرة التي لا تجدي ولا تنفع؟
اقتل نفسك ؟ اقطع لسانك؟ اطمس عينيك؟ اجعل الوقر في أذنيك؟ لعل قلبك يرتدع
كلا إن أمسيت أعمى فلست بأصم , وإن كنت كذلك فلست بأبكم, ...
وإن شدوا لساني بمقامع , وإن فعلوا.. فقلبي بهواها مرصع يلمع, وإن حطموه فكبدي ارحم لا يجزع,
هي قطعة من كبدي بل كبدي كله , وإن لاكوه بأفواههم المتشدقة , ومزقوه بأنيابهم القذرة
وطحنوه بأضراسهم الحادة , عبثا فعلوا طمس مآثر جوهرتي, لأن حقيقتي لا يعلمها الا ربي
لذا تجدني أذكرها في كل خطوة , في كل بقعة , في كل أوان, في يقظتي هي مؤنستي , في
نومي هي زائرتي , لهذا وذاك ترى الرباط متينا , لأن شذى الروح حديث الروح , نقي ..صاف... عطر يفوح, حديثي ليس ألفاظا بحروف أبجدية, ولا رموزا لحلة أجنبية ,
بل عقلا ولبا ..شغفا للعربية. ولا رقما لقسمة وطرح , ولا دراهم ترن فتقرع أذني
وليس بحرير تلبسه نسوة القردة والغرابيب , ليس قلادة , ليس حليا
هو أمر ربي فليس ذاك بعجيب
حبي لها لا لون له لتصنع منه الأطياف , ولا طعم ومنزل سورة الأحقاف
لا رائحة له لتنتعش به أفئدتهم الخاوية, لا يرى بالنظر خوفا من الكاوية
فيا قراء خاطرتي لا تقسوا علي
هو فوق كل اعتبار واستبصار . إذا حل على قلب الحليم احتار.
ابراهيم تايحي