رمضان بموريتانيا
ما زال الشعب الموريتاني يرسخ الدين، وقد وصله الفاتحون عن طريق التجارة عبر الصحراء وكان للتجار دور كبير في نشر الإسلام بموريتانيا، وبعد ذلك وصله المرابطون من مراكش. وتعد موريتانيا من الدول الإسلامية الأكثر محافظة على الدين الإسلامي، ورغم أن هناك سلوكيات تخالف السنة النبوية الشريفة فالسمة الغالبة على الشعب الموريتاني هي المحافظة.
المجتمع الموريتاني مشهود له بالكرم والسخاء ويتجلى ذلك في طبيعة الخيمة الموريتانية حيث إنها مفتوحة على أربع جهات مما ينم عن انفتاح صدر الموريتانيين للضيوف".
الشعب الموريتاني كغيره من الشعوب الإسلامية يستقبل شهر الصيام بكل فرح وابتهاج وخاصة في الأيام الأخيرة أصبح استقباله تماشيا مع كتاب الله وسنة رسوله بفضل انتشار الصحوة الإسلامية التي لعبت دورا كبيرا في موريتانيا، خاصة منها التيار الوسطي المعتدل.
يستقبل رمضان بالزيارات وصلات الأرحام المفتوحة وتمتلئ المساجد بالشيوخ والأطفال والشباب والنساء.
هناك عادات ناتجة عن احتكاك الموريتانيين بالسودان الغربي كحلق شعر الأطفال في الأسبوع الأول من رمضان تبركاً بهذا الشهر الفضيل، فالأطفال الصغار إلى حدود ثماني سنوات يحلقون شعرهم تبركا منهم بالشعر الذي ينبت على رؤوسهم في شهر رمضان المعظم، وليست لدينا عادات مثل الخليجيين الذين يقوم الأطفال عندهم بدورة في الحي.
كما يتم تعويدهم على الصيام بالتدريج إذ يبدأ الطفل الصيام بنصف مدة الصيام في اليوم ويتقدم حتى يكمل مدة الصيام مثل الكبار، وأهم شيء بالنسبة للأطفال هو تحفيظهم القرآن في سن مبكرة ففي غالب الأحيان تجد طفل السنة العاشرة حافظا لكتاب الله. بالإضافة إلى توفره على رصيد فقهي مهم. والكتاتيب ما زالت تحتل مكانة هامة في البلد وهي تقوم في الخيمة الموريتانية إذ يبعث الأهل أبناءهم بلوحة الخشب الخاصة بحفظ القرآن ويكون زاده بقرة، ويزوره الأهل حسب مسافة البعد عن المنزل. هذا بالنسبة لأبناء البدو، أما أبناء الحضر فيؤجر لهم شخص يحفظ القرآن من أجل تحفيظه في البيت.
أكدت لنا إحدى الطالبات الموريتانيات أن أهم غذاء لهم هو التمر والحليب، هذا بالإضافة إلى أن موريتانيا تحتل مرتبة من مراتب الريادة في إنتاج اللحوم وهي سوق مواش عالمية لذلك، تضيف الطالبة، فأطباقنا ليست كالمغرب الذي يعتمد على الحلويات بكثرة.
فأطباق اللحوم وأطباق الكسكس هي السائدة في رمضان. والمميز في الحليب الموريتاني ليس مادته بل الأقداح المخصصة له. ولم يفت الطالبات إحضار هذا القدح الخاص من بلدهن، وتناولنا منه الحليب بالتناوب كأننا في البلد الشقيق.
القدح الموريتاني وهو كبير الحجم مصنوع من خشب الأشجار من قبل طبقة من التشكيلة الاجتماعية يطلق عليها اسم الصناع التقليديين وهذه الفئة هي التي تهتم بصياغة الذهب. والقدح الموريتاني يكون بألوان، إما أسود مثل الذي شربنا منه أو الأزرق وتقدم فيه التمور كما يقدم فيه حتى اللحم. والوجبات المعروفة عن الموريتانيين بعد تناول التمر والحليب هي الطجين وهو يشبه الطاجين
المغربي قبل صلاة التراويح وطبق الكسكس بعدها، أما في السحور فيتم تناول الأرز بالحليب، ويعتبر الشاي الرمز الأساسي الحاضر في كل وجبة. وقد شاهدنا السيدة بنت السوداني وهي تعد كؤوس الشاي الموريتاني بأوان تقليدية خاصة وجلسة خاصة فوق الأرض يساعد عليها نوع اللباس المتسع. ويتميز الشاي الموريتاني بكونه مركزاً نظراً لتكرار غليه.
وللشاي الموريتاني نكهة خاصة سواء في ما يتعلق بأوانيه أو بطريقة إعداده. وهو ـ كما قالت الطالبة في المعهد العالي للصحافة والإعلام ـ ينم عن أصالة الشعب الموريتاني. وطريقة إعداد الشاي الموريتاني تأخذ وقتا طويلا تدل على حاتمية الموريتانيين إذ يبدون ترحيبهم بالضيف بتمديد وقت إعداد الشاي حتى يمكث عندهم الضيف أطول مدة ممكنة، و يمر إعداده عبر ثلاث مراحل في كل واحدة منها يكون كأس الشاي بمذاق خاص به ويهيأ في جو من نسج الأشعار الموريتانية الخاصة بالشاي. ويحتل مكان الصدارة في الثقافة الموريتانية.
أما الحساء الموريتاني الذي يتناول في وجبة الفطور فيتم إعداده من حبوب متعددة، منها القمح والزرع والشعير والذرة والفول السوداني ويمكن أن تصل مكونات الحساء إلى سبعة حبوب مضافا إليها الملح والحليب والسمن الموريتاني.
أصبحت الحريرة المغربية (الحساء) والحلوى الشباكية أو ما يسمى "المخرقة" حاضرة في المائدة الموريتانية؛ نظرا لاحتكاك الموريتانيين المقيمين بالمغرب بالمغاربة، وأصبحت المرأة الموريتانية خبيرة في صنع الحريرة، وخير مثال على ذلك طبق الحريرة الذي تناولناه عند الطالبات الموريتانيات، كما لم يتخلف الرغيف "الملوي" المغربي عن الانتقال إلى المائدة الموريتانية.
رمضان موسم للعمل الخيري
لا مكان للسهرات الليلية بموريتانيا في رمضان، هكذا قالت لنا إحدى المضيفات أنه حتى إن كان ممكنا أن ترى سهرة خاصة في وسائل الإعلام الرسمية فإن الطابع الغالب على الشارع الموريتاني هو المحافظة، وليست فيه سهرات ماجنة أثناء شهر الصيام، ولا تغفل وسائل الإعلام عن الجانب الديني بل تستدعي خيرة العلماء ومن موادها بعض المدائح النبوية. هكذا حدثتنا إحدى الطالبات تعليقا على كثرة السهرات الليلية بالمغرب إذ أصبحت الأنشطة الرمضانية تكثر في رمضان، منها المحاضرات الدينية في المساجد، وتشرف الجمعيات الاجتماعية على توزيع الفطور والأغطية على المرضى في المستشفى، كما يتم تقديم مساعدات لسكان البوادي النائية.
في ليلة السابع والعشرين من رمضان
قالت لنا إحدى الطالبات الموريتانيات: يختم فيها القرآن الكريم في المساجد وتقام المدائح النبوية، كما تنتشر بعض الطقوس غير الصحيحة من الناحية العقدية كحرق البخور التي يرجى منها طرد الشياطين وتعليق بعض أوراق الأشجار في البيت، وهناك طقوس قالت عنها الأستاذة زينب :"لا تتماشى مع السنة، مثل حرق البخور "المباركة" وهو يكون في شجرة، ظنا منهم أنه يذهب الشياطين".
وتقبل النساء على زركشة الأيدي والأرجل بالحناء، واللواتي يقمن بهذا الدور هن زوجات الصناع التقليديين الذين يصنعون الأقداح، والمرأة المتزوجة قبل العيد بيومين تهدي زوجها خروفا أو تعوضها أمها في هذه المهمة، كما اعتادت أم العروس الموريتانية أن تقدم لبنتها قبل العيد أغطية مع كيلوغرام أو اثنين من الحناء حسب القدرة، ويكون الرد من طرف الزوج أو الصهر تقديم هدية عبارة عن مبلغ مالي أو ملابس.
ومن العادات الاجتماعية في العيد
أن يرجع كل غريب إلى بيته سواء تعلق الأمر بالأولاد أو الأزواج، حيث تجتمع الأسرة وتوصل الرحم كما تتم الزيارات بين الجيران. ولدينا أطباق خاصة مثل طبق الكسكس. أما الحلويات فلا تحظى عندنا بنفس المكانة التي تعرفها هنا في المغرب بل إن المرأة الموريتانية لا "تعجن" الخبز وتكتفي بشرائه من المخابز