الاثنين/31/3/2008
كتب الأديب الراحل الدكتور عبد السلام العجيلي رسالة للشاعر الشعبي شلاش الحسن، يقول فيها: يا عزيزي شلاش، سمعت قصائدك الشعبية.. كان منها منظوماً على أوزان، ومنها ما كان نبطياً، فأطربتني وأعجبني فيها تعبيرك عن الحالات النفسية المعاصرة، وأكاد أقول الحضرية بلغة بلدتنا ومنطقتنا، مع
موسيقية الألفاظ والأوزان، وأعتقد أن قراءتك لها في المحافل والمهرجانات يؤثر في السامعين تأثيراً كبيراً، لأن الشعر بكافة ألوانه، والشعر العربي بصورة خاصة، هو للإلقاء، وإشراك المستمع بعواطف الشاعر وإبداعه... شعرك مؤهل لهذا كل التأهل، أتمنى لك عطاءً مستمراً، وتوفيقاً دائماً.
بهذه الرسالة يستهل الشاعر الشعبي شلاش الحسن حديثه قائلاً: لحبي الشديد للعجيلي، وثّقت هذه الرسالة بخطه الجميل على ظهر غلاف ديواني الأول "دخيلك يا نهر" الذي صدر عام 1998، ويضيف: خمسة أشياء لا أستبدلها بكنوز الدنيا: الرقة والفرات والعجيلي وأمي وابنتي وشاح، وللرقة والفرات مكانة واسعة في شعر الحسن، فما إن تجود قريحته بقصيدة حتى يتغنى بها مستمعوه، وما يكاد يطلق صفة ما عنهما حتى تندرج على ألسنة الناس، فقصيدة "هلهلي" التي غنتها فرقة الرقة للفنون الشعبية، والتي يقول فيها:
هلهلي.. هلهلي
ولالي
حلوة يالرقة
يا قمرنا العالي
درّة فراتنا مهرة أصيلة
تهلي بالضيف وتدير الفنجالي.
هذه القصيدة جعلت الناس يطلقون اسم الرقة مقروناً بدرة الفرات، فغدت الصفة نلازم الاسم إلى ما شاء الله.
شلاش الحسن مسكون بالحب والأمل، لا أحد يستطيع إنكار شهرته الواسعة، فُعرف بقصائده الرائعة، التي ما إن يتلوها على مسامع الناس، حتى تترك بصورها الشعرية الغنية أثراً بالغاً في نفوسهم، وتداعب مخيلتهم العطشى لهذا اللون الأثير من الفن، ولعل ما يميزه ذاك الإلقاء الجميل الذي يتفوق به على جميع شعراء المنطقة، كما أن قصائده الغنية تنقل أحاسيس النفس بصدق وعفوية، وطنية كانت أم غزلية، يستطيع من خلالها أن يهز أركان المكان بصوته المجلجل تارة، والهامس بعذوبة تارة أخرى.
سألته، كيف تكتب القصيدة القصيدة؟ فأجاب باسماً: هناك قصيدة أكتبها، وأخرى تكتبني، وإن سألتني أيهما الأجمل؟ سأقول بدون تردد: القصيدة الأجمل هي القصيدة التي تكتبني، لأنها تأتي فطرية، تترجم أحاسيس ومشاعر مكبوتة في الذات، فتولد من رحم الحب دونما إرادة، كالعَبْرَة التي يطلقها الإنسان وهو في ضيق شديد، أو محنة عابرة..!
ويضيف: لم أختر يوماً ما كتابة الشعر الشعبي عن سابق تصميم، بل هو الذي اختارني، فقبلت الاختيار، وخلالها شعرت بأنه الأقرب إلى قلوب الناس، كما أن للشعر الشعبي موقع هام في حياة سكان وادي الفرات.
وحين سألته، هل استطاعت القصيدة الشعبية أن تواكب الحياة اليومية، وأن تحافظ على نسقها الشعري، وهل يؤكد صوتها حضوراً يوازي ماضيها الجميل؟ فأطرق ساهماً، وأجاب: لعل ماضي القصيدة الشعبية يكاد ينحصر في الأغنية الفراتية بكل ألوانها وأشكالها، أغنية تتحدى الزمن لأن كلماتها محفورة في صدور الناس، أما كقصيدة مكتوبة، فلم تأخذ حظاً كبيراً من الاهتمام والرعاية، لعدم وجود من يهتم بالتوثيق والمتابعة والدراسة المتأنية والناقدة، لذلك تكاد تنقرض النصوص الإبداعية القديمة، لكني أستطيع القول بأنه منذ بداية السبعينيات بدأت القصيدة الشعبية تأخذ مساحة كبيرة، من خلال العديد من الأسماء الشعرية الهامة، كالشاعر محمود الذخيرة، والأسماء التي جاءت من بعده، لكن بعد عام 2000 ومع الانتشار الواسع للفضائيات، وثورة الاتصالات انحسرت مساحة القصيدة الشعبية، وذلك لانعدام التركيز على هذا اللون الثقافي الهام، وانحسر دور الشعر الشعبي في المشهد الثقافي السوري في مخيلة الجمهور، من خلال الأمسيات والمهرجانات الأدبية، حيث تجد تواصلاً كبيراً بين الجمهور والشاعر، قلَّما تجده في أشكال عديدة من صنوف الأدب المختلفة، وهنا أتساءل، لماذا لا يُعتمد الشعر الشعبي كنوع أدبي مثل بقية الفنون الأخرى في اتحاد الكتاب العرب، على غرار مصر ولبنان؟
يقول الحسن في قصيدة "صحوة الموت":
ارعد يالموت ولا ترحم
مجضوع نايم ما يكـعد
والنايم حجيه ما يلـزم
منجل مثلوم وما يحصد
من ثدي الكَـاع تربيّنا
سنبلـة سـمرة شبيّنـا
عجدتهم إحنـا حلينـا
ميّة صالوف ما تركد.
وعن هذه القصيدة، يقول: شاركت في هذه القصيدة بالمرحلة الثانية من مسابقة قصيدة التحدي على مستوى الوطن العربي، والتي رعتها قناة فواصل الفضائية، ونالت إعجاب المهتمين والمتابعين، وخرجت من المسابقة بسبب التصويت، ففزت شعراً، وخرجت تصويتاً، بعد أن تأهلت في المرحلة الأولى إلى الثانية، كأول على كل شعراء سورية.
بقي أن نشير إلى أن الشاعر شلاش الحسن من مواليد الرقة عام 1960 ويحمل شهادة أهلية التعليم، وكما كتب الشعر، كتب الأغاني، ولحن له الملحن اللبناني الكبير زكي ناصيف، وأمين الخياط، وغنى له غسان صليبا، وفواز الحسن، وأسعد الجابر، وفرقة الرقة للفنون الشعبية، وصدر له ديوانان، الأول بعنوان "دخيلك يا نهر"، والثاني بعنوان: "رحيل الزين"، وشارك في العديد من الأمسيات والأصبوحات الشعرية، والمهرجانات الأدبية، مثل مهرجان بصرى الدولي، ومهرجان تدمر السياحي، ومهرجان الجولان الأول، وعدد كبير من البرامج التلفزيونية، والعديد من اللقاءات الإذاعية، ويقول: أطمح أن أترك بصمة طيبة في نفوس الناس، وأن كون سفيراً للقصيدة الفراتية في كافة أرجاء الوطن العربي.
ويُنهي شاعرنا حديثه بقصيدة: "تريد أنساك":
تريد أنساك
شلون أنساك؟
وأنت طيف بعيوني
وأنت الرموش لجفوني
وأنت ضحكة النسمة
ونصيبي الجاني بالقسمة
مدلل صادك السَّماك
شلون أنساك؟