مواجهة الجهل والفقر والتشرد والاستغلال
تسرب الوعي الاجتماعي إلى الأديب العربي ووجدانه على الرغم من وطأة الاستبداد وظلم الاستعمار وقوة الاستغلال فتطلع إلى تحقيق نهضة اجتماعية قومية وأدرك أن السبيل إلى الخلاص من هذا الواقع الفاسد هو الأخذ بأسباب العلم لمحاربة الجهل وإنقاذ الأطفال من الضياع وخلاص الفلاح من الظلم والطغيان .
فقد رأى الأديب العربي أن المسافة التي تفصل بين الغرب القوي والشرق العربي الضعيف هي مسافة العلم فقد نهض الغرب وارتقى الفضاء حين أخذ بأسباب العلم في كل جوانب الحياة ، وعلم الأديب أن نتائج الجهل خطيرة على المجتمع والأمة فدعا إلى بناء المدارس سبيلاً للنهضة والتقدم ودواء يشفى المجتمع من علله الكثيرة وسلبياته الخطيرة ، قال الرصافي :
ابنو المدارس واستقصوا بها الأملا حتى نطاول في بنيانها زحلا
إن كان للجهل في أحوالنا علل فالعلم كالطب يشفي تلكم العللا
ولم يشأ الأديب العربي أن تكون المدارس ميدان العلوم النظرية فحسب بل دعا إلى ربط العلوم النظرية بالعلوم التطبيقية العلمية واكتملت دعوته حين ربط العلم والعمل بالأخلاق الفاضلة وبالقيم النبيلة لخلق جيل واع صالح فالعلم لا يكتمل أثره في الإنسان والمجتمع ما لم يتوج بخلق نبيل وقيم فاضلة ، قال الرصافي :
لا تجعلوا العلم فيها كل غايتكم بل علموا النشئ علماً ينتج العملا
ربّو البنين مع التعليم تربية يمسي بها ناقص الأخلاق مكتملا
ودعا الأديب العربي بنظرته الإصلاحية الواعية إلى إعداد جيل من الشبيبة المسلحة بالوعي والقوة القادرة على بناء الوطن بيد والدفاع عنه باليد الأخرى ، قال الرصافي :
فجيشوا جيش علم من شبيبتنا عرمرماً تضرب الدنيا به المثلا
إن قام للحرث ردّ الأرض ممرعة أو قام للحرب دكّ السهل والجبلا
واكتملت دعوتهم الاجتماعية بالدعوة القومية حيث نادى الأديب العربي بضرورة توحيد المناهج التعليمية في الوطن العربي كله وبناء وحدة ثقافية تكون أساساً راسخاً لإقامة وحدة عربية شاملة من المحيط إلى الخليج ، قال الرصافي :
ثم انهجوا في بلاد العرب أجمعها نهجاً على وحدة التعليم مشتملاً
حتى إذا ما انتدبنا العرب قاطبة كنــــــا كأنّـــا انتدبنا واحداً رجلا
وذكّر الأديب العربي الأبناء بماضي الآباء و الأجداد العظيم يوم كانوا مشاعل نور وهداية ودعائم حضارة ومجد وازدهار لعل الأبناء يسيرون على درب الآباء ، قال الرصافي :
إنّا لمن أمة في عهد نهضتها بالعلم والسيف قبلاً أنشأت دولا
والتفت الأديب العربي إلى المجتمع فوجده يعاني عللاً خطيرة وسلبيات كثيرة في طليعتها مشكلة الأطفال الذين عاشوا في مستنقع البؤس والحرمان والجهل والتشرد بسبب الظروف السياسية والاجتماعية المضطربة فشرع الأدباء يرسمون بريشتهم صور ومشاهد مؤلمة تغلب عليها اللقطات الحسية والواقعية المشحونة بالعاطفة الحزينة وتجسيد ذلك بقول الزيّات :
( هؤلاء الأطفال المشردون هم الذين تراهم يطوفون طوال النهار وثلثي الليل على القهوات والحانات كما تطوف الكلاب والهررة على دكاكين الجزارة ومطاعم العامة وهمهم أن يصيبوا مايسد الرمق ويمسك الحياة )
وقد طغت النبرة الخطابية وامتزجت بالفكر الإصلاحي المثالي والوجداني الحار في معالجة مشكلة الطفولة وقد أسرع الأديب الإصلاحي بعفوية وسطحية لإلقاء المسؤولية على القدر وحده ، قال الزيات :
( بالله ماذنب هذا الطفل الشريد الذي تتحامون مسه وتتفادون مرآه إذا كان القدر قد اختار له ذلك الأب البائس )
ولم يكن العلاج الذي قدمه الأدباء موضوعاً لأنه بعيد عن روح العدالة الاجتماعية وهو أقرب مايكون إلى الحلول المثالية المتمثلة بالإحسان والصدقات يجود بها الأغنياء على الفقراء ، قال الزيات :
( فإذا كنتم تشفقون على نعيم عيشكم من رؤية البؤس وتخشون على نعيم حياتكم دمامة الفقر فا قتحموا على الفقر مكامنه في أكواخ الأيامى وأعشاش العجزة ثم قيدوه بالإحسان المنظم في المدرس والصدقة الجارية في الملاجئ )
كان استغلال الفلاح قديماً قدم شقائه فقد جسد فوق الأرض العربية أقسى مأساة إنسانية لأنه حمل في حياته كل ظروف القهر وصحب الأرض كداً وعطاءً واستنزف عمره في جهد لم يجن من ثمراته إلا الفقر والحرمان فقد أعطى الكثير من الجهد والتعب والعرق والدم ولم يحصد سوى الشقاء والبؤس والمرض لذلك وقف الأديب الثوري إلى جانب الفلاح يتلمس جراحه ويذكره بنشأته في ظل الإقطاع والاستغلال يوم هجر الريف مكرهاً بعد صراع طويل من أجل البقاء ، قال حجازي :
ولدت هنا كلماتنا / ولدت هنا في الليل يا عود الذرة
يا نجمة مسجونة في خيط ماء / ياثدي أم لم يعد فيه لبن
ودعا الأديب الواعي الفلاح للتمرد على واقعه والخروج من غفلته التاريخية ومن قيود الجهل والبؤس والشقاء و الإصغاء إلى نداء الشاعر وإلا فما نفع الشعر إذا لم يبعث الوعي في الفلاح ، قال حجازي :
يا من يصم السمع عن كلماتنا / أدعوك أن تمشي على كلماتنا بالعين لو صادفتها
كيلا تموت على الورق / أسقط عليها قطرتين من العرق / كيلا تموت
فالصوت إن لم يلق أذنا ضاع في صمت الأفق
وانطلق الأديب في دعوته إلى تحرير الفلاح من نفسه فأراد أن يصل إلى قلبه وعقله ليروي له قصة العذاب الطويلة الواقعة عليه ، حكاية الشقاء ومأساة الإنسان المستغل وصراعه من أجل الحرية لعل نار الثورة تشتعل في نفسه وصدره فينتفض على جلاديه ومستغليه فيحرره من ظلمهم واستعبادهم ، قال حجازي :
أين الطريق إلى فؤادك أيها المنفي في صمت الحقول / لو أنني ناي بكفك تحت صفصافة
أوراقها في الأفق مروحة / خضراء هفهافه / لأخذت سمعك لحظة في هذه الخلوة
ونفضت كل النار كل النار في نفسي
إنه يريدها ثورة فلاح واع من أجل تغيير واقع الشقاء والحرمان ، وبناء مجتمع جديد يزدهر بالحب والخير ويغمره العدل والسلام وها هو حجازي يبدو متفائلاً بوعي الفلاح وثورته ، فقال :
وصنعت من نفسي كلاماً واضحاً كالشمس / عن حقلنا المفروش للأقدام / ومتى نقيم العرس ؟ / و نودع الآلام
وبذلك أعطى الأديب العربي مشكلة الجهل والتشريد والاستغلال بعداً إنسانياً فحض على إصلاح المجتمع بنشر التعليم وحماية الطفولة ودعا إلى الثورة على المستغل و الانطلاق من قيود الظلم والعبودية إلى عالم يزدهر بالخير والعطاء والجمال .
منتديات مملكة الفرات 
منتديات مملكة الفرات 
