أملاً في الحصول على طفل.. ولو في أنبوب..
مبالغ خيالية تُدفع.. سرقات واتجار.. ومراكز خارج دائرة الرقابة !!
حالات عديدة سعت وراء إنجاب طفل، بعدما تعثّرت الوسائل الطبيعية.. عبرت الحدود، واليقين الوحيد الذي تحمله هو العودة بطفل، لتُفاجأ بعد إجراء عملية الزرع بأنّه لا طفل ينتظر أساساً، ولا تلقيح جرى منذ البداية..
عمليات سرقة دقيقة ومحددة، ومتاجرة بخلايا يتمّ استلابها تحت اسم “عمليات لزرع طفل أنبوب”، وزرعها في أحشاء امرأة أخرى في غياب للأنظمة والقوانين، وتجاهل للأعراف والقوانين في حال إنجاب أخٍ من أخته،
وهو أمر ليس ببعيد الحصول في حال وجود متبرّع واحد يمكن أن يتداخل مع بويضات مئات النساء، وعندها تنتقل الجريمة من مرتكبيها إلى جريمة أخلاقية تلاحق الجنين طوال حياته، وتضيف جرماً إضافياً إلى جريمتي بيع النطاف والبويضات.
تلاعب.. ويوم واحد للإباضة
مراكز زراعة طفل الأنبوب في سورية بدأت تنافس كبرى المراكز العالمية، إذ حققت نتائج ممتازة على هذا الصعيد، كما يقول الدكتور خليل إبراهيم خليل، الاختصاصي في التوليد والأمراض النسائية وجراحتها، والاستشاري في العقم وطفل الأنبوب، ورئيس لجنة طفل الأنبوب في وزارة الصحة، فهناك، على حدّ تعبيره، “انضباط أخلاقي وعلميّ جيدين، ورادع ديني وأخلاقي واجتماعي أيضاً لعمليات التلاعب والسرقة”، أضف إلى ذلك أن لعملية زرع طفل الأنبوب استطبابات تجعل الأمور واضحة، ومن الممكن بسهولة كشف عمليات السرقة حيالها...
أمّا الدكتورة أليسار جلال خير بك، الاختصاصية في الأمراض النسائية وفي الصحة العامة، فلها رأي آخر، حيث تقرّ بصعوبة سرقة البيوض أساساً؛ لأن الإباضة تحصل خلال يوم واحد (يوم الإباضة)، وبالتالي من الصعب الحصول على بيوض ناضجة وقابلة للإلقاح، لذا لا بدّ من تصوير السيدة مرتين على الأقل خلال الأسبوعين اللذين يسبقان الإباضة، وبالتالي من الصعب تحديد مواعيد خلّبية للقيام بذلك، لأنّ رشف البيوض يحتاج إلى إجراء غازي للجسم يحدث إمّا عن طريق المهبل، وفي أحيان قليلة عن طريق البطن، وبالتالي من غير المقبول أن يحصل هذا الإجراء دون أن تنتبه السيدة إليه، أو تسأل من يجريه لها حول سبب استعماله إبرة يدخلها في أنسجتها للحصول على البيوض، باختصار “لا أعتقد أنّ سرقة البيوض أمر قابل للحدوث، وخصوصاً في بلادنا”.
سرقة طيّ الكتمان
نسب عالية، ونتائج غير حاصلة في المراكز العالمية، تلجأ بعض المراكز المحلية إلى ذكرها من أجل كسب المزيد من الزبائن، فمن نسب عالية التحقّق في الزرع، إلى وعدٍ لا منتهٍ بإعادة العملية مرّات ومرات، لتبقى هذه العروض عبارة عن أسلوب تجاريّ مشبوه، حسب رأي خليل؛ حيث “إنّ نسبة النجاح محدودة، وبالتالي قد لا تحتاج إلى تكرار العملية مرات عدة، وعالمياً لا يوجد نسب عالية التحقّق، وصراحة نشكّ في مدى جدية أرقام هذه المراكز”، على حد تعبير الدكتور خليل، أمّا مدير المستشفيات في الوزارة، فله رأي آخر في دقة النتائج التي تفصح عنها المراكز المحلية المتخصصة، ونتائجها حتى اليوم مطمئنة جداً، بل تضاهي النسب العالمية، وأحد المراكز تجاوز هذه النسبة”، وذلك رغم اعترافه بغياب إحصاءات دقيقة ذات دلالة، والسبب يعود، حسب رأيه، إلى أنّ المرأة لا تخبر عن نفسها في موضوع كهذا له آثار اجتماعية، وكذلك الرجل، فإنّه يتحفظ، لذا فإنّ هذا الموضوع، في حال وجود عمليات سرقة، حتماً سيبقى طيّ الكتمان، وهو من الممكن أن يحدث في المخابر بشكل روتينيّ عبر تحليل السائل المنوي، ويجري بعدها استقاء كميّة من العيّنة تستخدم لمريض آخر..
سياحة بيع النطاف والبيوض
في سورية، عمليات التبرّع بالنطاف والبيوض ممنوعة، وتحتاج المريضة، من أجل ذلك، إلى السفر إلى دولة أخرى مسموح فيها التبرع، مثل “لبنان، أو بلجيكا أو الولايات المتحدة الأمريكية”، حتى في تلك الدول يتوجّب على المتبرّع التوقيع على وثيقة تحمي الطبيب أمام القانون، حسب قول د.خليل، وفي حال وجود عمليات سرقة يجب أن لا تكتفي بتجريم مرتكبيها؛ بل يجب أن تلاحق أيّ مواطن يقوم بارتكابها خارج سورية، خصوصاً أنّ عدداً كبيراً من الدول تحوّلت إلى مراكز لسياحة بيع النطاف والبويضات، ومنها ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، التي يقصدها العديد من مواطني الدول التي يُعتبر فيها التبرّع بالنطاف غير قانوني.. لكنّ الدكتورة شادية خضير، معاونة مدير مستشفى المواساة، وصفت التبرع بالنطاف والبويضات، أو سرقتها، بـ “الجريمة”، موصية وزارة الصحة بتدقيق عمليات الترخيص ومطابقة التوصيات العالمية، وتشديد الرقابة على المراكز المخالفة لمنع ارتكاب مثل هذه الجرائم.
تحت إمرة الوزير
ذكر الاستشاري في العقم وطفل الأنبوب في وزارة الصحة، أنّ الوزارة شكّلت لجنة عليا لدراسة طفل الأنبوب، من حيث شروط الترخيص ومتابعة العمل المهني والميداني، سواء المرخصة أم تلك التي قيد الترخيص، وقامت اللجنة بوضع شروط أكثر ملاءمة لعملية الترخيص، واتخذت إجراءات كافية لمتابعة عمل هذه المراكز وتلقّي الشكاوى في حال وجودها، ودراستها ومعالجتها، بما يضمن حقّ المواطن وحقّ الكادر الطبي والحفاظ على المراكز الملتزمة لحسن العمل الطبي، ورفعت الصيغة النهائية لإقرارها من قبل السلطة التشريعية، وراعت فيها الحفاظ على حقوق المواطن، والحفاظ على الأطباء في حال وجود أيّ خلل، سواء كان مقصوداً أم غير ذلك، وتعدّ هذه اللجنة ذات مستوى عالمي، من حيث شروطها ومتابعتها للمراكز المختصة، وهي “تحت إمرة الوزير شخصياً”، على حد تعبير الدكتور خليل، لتبقى عمليات التلاعب والسرقة رهناً بضمير الطبيب وأخلاقياته المهنية، حيث لا وصف ممكناً لطبيب يساعد زوجين في عملية زرع طفل أنبوب في بلد مجاور مثل لبنان، متذرعاً بعدم وجود الأجهزة الكافية والمناسبة في سورية، وبعد أن حصل على مبلغ 100 ألف ليرة، يُفاجأ الزوجان بعدم وجود أيّ جنين، وأنّ الطبيب قام ببيع هذه البيوض والنطاف لزوجين آخرين بسعر 500 ألف ليرة، وتبقى الضوابط التي تحدّث عنها رئيس لجنة طفل الأنبوب داخل سورية فقط.
التعليمات واضحة
فيما يتعلّق بالضوابط اللازمة لعمل مراكز طفل الأنبوب، يقول خليل: “هناك ضوابط للمراكز في سورية، ولديها تعليمات واضحة، وفي حال ارتكاب مثل هذه المخالفات، وبعد وجود الشكاوى، يتمّ إغلاق المركز، وإحالة الكادر الطبي المسؤول إلى اللجنة المعنيّة في الوزارة، ليصار إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة”، وهو ما أشار إليه د. سليمان مشقوق، مدير المستشفيات في وزارة الصحة، بقوله: “بشكل أساسي الترخيص للمستشفيات الخاصة له قواعد ناظمة، وقرارات لازمة تبدأ عملياً بشهادات الطبيب المؤهل، وهناك لجان خاصة لتدقيق لجان الخبرة، بحيث يأخذ قراراً من الوزارة بعد التدقيق فعلاً إن يمتلك الخبرة الكافية أم لا، لإجراء كلّ ما يتعلق بطفل الأنبوب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المخبريّ المتخصص في طفل الأنبوب”، إضافة إلى مواصفات هندسية خاصة في المكان تدرسها الوزارة، وعلى أساسها يقدّر ما إذا كان المكان المخصص لإجراء عمليات طفل الأنبوب ملائماً، ويصلح لتقديم الخدمة حصراً ضمن مستشفى أم لا، وحسب شروط الوزارة يستلزم بناء المركز وجود عدد من الغرف، وألا تقلّ مساحة المكان المخصص لإجراء العملية عن 20 م، والمساحة الكلية لا تقلّ عن 60 م، مع تأمين غرفة عمليات ملائمة، بمعنى آخر هناك قائمة بالتجهيزات المطلوبة، والسجلات الناظمة للموضوع، وبعدها يتمّ تشكيل لجنة لتدقيق الشهادات، والمخطط المعماري، والكشف الميداني على مدى صلاحية المكان، ومطابقته للمخطط، وعلى أساسه يُعدّ ترخيص المستشفى.
لا عقوبة دون نص
لم يتضمّن قانون العقوبات السوري أيّ مادة تشير إلى التكييف القانوني لموضوع بيع البويضات من قبل المرأة، أو بيع النطاف من قبل الرجل، والسبب في ذلك يعود، وفقاً للمحامي وحيد عرفات، إلى حداثة هذه الظاهرة، ليس في سورية والعالم العربي فحسب؛ بل في العالم أيضاً، ويؤكد عرفات أنّه من الناحية القانونية يتوجّب العمل، في أسرع ما يمكن، لوضع أسس ونواظم لا تتضمّن العقوبات المفروضة على المخالفين فقط؛ بل تنظم المراكز المتخصصة في أطفال الأنابيب؛ لأنّ كثيراً من أنشطتها متداخل مع التبرع بالبويضات والنطاف، الأمر الذي يفرض وضع قواعد لإدارتها، وتحديد الخدمات المقدّمة من قبلها، والمسؤوليات القانونية والأخلاقية للعاملين فيها، مؤكداً ضرورة إصدار تشريعات قانونية خاصة وواضحة، تتكيف مع هذه الحالات، لا أن تخضع للاجتهادات القانونية أو الاكتفاء بمساءلة الطبيب أمام مجلس التأديب في نقابة الأطباء، دون وجود نصوص محددة، عملاً بالقاعدة القانونية “لاعقوبة دون نص”، مضيفاً: “إذا توقفنا أمام هذه الظاهرة فإنّها ذات أبعاد إنسانية وقانونية في غاية الخطورة، خصوصاً إذا ما مورست في غياب الأنظمة والقوانين، كأن يصل الأمر إلى إنجاب الأخ من أخته، أو الأب من ابنته، ما يضيف جرماً إضافياً إلى جريمتي بيع النطاف والبويضات..
وبحسب أطباء اختصاصيين، ما ذهب إليه المحامي عرفات هو أمر محتمل الحصول؛ إذ إن متبرعاً واحداً يمكن أن يتداخل مع بويضات مئات النساء، وستنتقل الجريمة من مرتكبيها إلى جريمة أخلاقية تلاحق الجنين، أو الوليد، طوال حياته، وتؤثر في حقوقه الإنسانية، والإرثية”، وهذا ما أكده الشرع الإسلامي، حسب قول الدكتور محمد حبش، مدير مركز الدراسات الإسلامية، حول أنّ زرع النطاف من الرجل والزوجة الصحيحة جائز داخل الرحم، أو داخل صلب الرجل، أو خارجهما، كما أنّ زرع البيوض من زوجة الرجل الأولى داخل رحم زوجته الثانية هو أمر جائز شرعاً، أمّا الإلقاح بنطفة غير معلومة لا يعرف صاحبها، أو بويضة غير معلومة أيضاً، فالأنسب هو أن نميل إلى جوازه، في حين أنّنا نوافق مجمع الفقه الإسلامي في أن زرع النطفة من رجل معلوم لا يحلّ للمرأة، أو البويضة من امرأة معلومة لا يحلّ للرجل”، يضيف حبش.
مطالبة بابن عضوي
لقد سبق للجهات المختصة في سورية أن ضبطت مركزاً يرتكب جرائم على هذا المستوى، من خلال شراء النطاف والبويضات، دون توافر العلم، أو أرقام حقيقية، فيما إذا كانت تباع في سورية أم خارجها، حسب قول المحامي محمد سلامة، ويمكن تخيّل الأمر عندما يتمّ شراء بويضة من سيّدة آسيوية لتلقّح من نطاف رجل أوروبي، وتزرع في رحم امرأة سورية، وأي تخالط للأنساب، وما هي الجنسية الحقيقية للجنين، وهل يحقّ لصاحب النطاف المطالبة بابنه العضوي، وكذلك الحال بالنسبة إلى صاحبة البويضة، علماً بأنّ “بعض السيدات أو الرجال قد يكون الإنجاب بهذه الطريقة اللاشرعية هو المنفذ الوحيد المتاح لهم تحت وطأة الضغوط الاجتماعية أو المطالبة الإرثية” يقول سلامة
منتديات مملكة الفرات 
منتديات مملكة الفرات 
