ارتفعت نسبة الأعمال الكوميدية في الدراما السورية هذا العام إلى حد مفرح، لكن هذا الارتفاع تزامن مع مجموعة من معوقات الإبداع الكوميدي، خصوصاً إذا افترضنا أن نصوص الكوميديا بحاجة إلى تنفيذ فني أكثر مسؤولية من كتابتها، وهذه المشكلة صادفت معظم الأعمال الدرامية الكوميدية خصوصاً في تجارب الجزء الثاني، إذ إننا أمام نسخة تجريبية للنسخة الأولى من المسلسل تعتمد على رصيد مبكر من النجاح، فتضيع محاولات النسخ الثانية أو التكملة الدرامية عند حشر الأفكار ضمن مفهوم لا يحتمل أكثر من ثلاثين حلقة ليتكون أمام المشاهد على شكل مسلسل تلفزيوني.
تضمنت الأعمال الكوميدية هذا العام أعمالاً كانت استمراراً لمشاريع سابقة، مثل سلسلة اللوحات الكوميدية (بقعة ضوء8) ومسلسل (مرايا 2011) ومسلسل (يوميات مدير عام 2) و(فزلكة عربية2) إضافة إلى أعمال حملت بصمة مخرجين جدد في عالم الدراما مثل مسلسل (صايعين ضايعين) لصفوان نعمو ومسلسل (بومب أكشن) لفيصل بني مرجة و(كريزي TV) لمصطفى برقاوي. ولعل العمل الأبرز هو مسلسل (الخربة) لصاحبيه ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو.
باقة منوعة مختلفة في تركيبتها وفهمها للكوميديا، أعمال اعتمدت على اللوحات القصيرة، مثل مرايا الذي غاب أكثر من خمس سنوات، جعلنا نعود لمشاهدة الممثل ياسر العظمة من خلال اللوحات الدرامية الساخرة والناقدة، إلا أن هذا الجزء الجديد لن ينافس الأعمال الكوميدية الأخرى لأن العظمة المشرف على السلسلة على صعيد النص والإخراج، احتفظ بمكانه وبأهميته كنجم كبير، وهذا ما جعل مسلسل مرايا خارج المنافسة كونه محبوباً أساساً لدى الجماهير، في حين هناك وجهات نظر أخرى تقول إن العظمة عمل على جزء جديد بعيداً عن صيغة اللوحات المتشابهة وانفراد البطل الواحد، هكذا قدمت لوحات مرايا مع الكثير من الفنانين الذين نجحوا في تقديم لوحات 'مرايا' في الأعوام الماضية منهم عابد فهد، وكاريس بشار، وسلمى المصري، ومرح جبر وغيرهم، وظل في مستواه السابق لم يتقدم خطة إلى الأمام ولا للوراء وإن حاول فاجأه مقص الرقيب، في حين تصدى سامر برقاوي لعملية إخراج العمل إلى الشاشة الرمضانية.
مطب الجزء الثاني
ومن جديد، يُعيَّن الممثل أيمن زيدان مديراً عاماً في إحدى المديريات الرسمية. وهناك، يفاجأ بالفساد الكبير الموجود في هذه المديرية، هكذا، يحاول إصلاحه من خلال التنكر والتغلغل بين الموظفين لكشف الفاسد بينهم. هذه هي قصة المسلسل الذي يقدمه أيمن زيدان في 'يوميات مدير عام 2' تأليف خالد حيدر، بعدما قدم الجزء الأول الذي نال نجاحاً كبيراً في تسعينيات القرن الماضي حين كتب نصه زياد الريس آنذاك، ها هو يعود هذا الموسم ليقدم جزءاً جديداً، مع اختلاف كبير عن نهج الجزء الأول، إذ إنه كان من صنع المخرج هشام شربتجي صاحب البصمة الكوميدية الأهم، أما الجزء الثاني مع المخرج الشاب زهير قنوع كشف لنا مآخذ عدة في عملية الإخراج، لعلّ أبرزها الكوادر المائلة التي تعتبر موضة قديمة، والإخراج المباشر بكاميرتين، حيث يضيع حجم اللقطة وتختلف هوية المسلسل، مع اعتبار أن فكرة العمل قد استنزفت ولم تقدم جديداً إذ إن يد التكنولوجيا عبثت في عفوية الكوميديا وجيرتها على حساب الابتذال..! وهذا ما شاهدناه في تركيب شخصيات التنكر، أو حتى أفكار الحلقات وبنائها الكوميدي، أما على صعيد تقليد الشخصيات فقد رأينا ما فعل الفنان نضال نجم حين أعاد ترتيب شخصية نائب المدير العام التي لعبها النجم الكبير خالد تاجا، حيث عبّر عما يجول بباله ببلاهة وتصنع ولم يقترب إلى حسّ الضحك أو حتى الشخصية الكوميدية وهذا حقيقة ما أضعف العمل أكثر.
كوميديا البيئة
عاد المخرج الليث حجو وتوءمه الكوميدي الكاتب ممدوح حمادة هذا العام من جديد ليضعانا أمام تجربة مختلفة من الكوميديا والانتقاد اللاذع يبكينا ويضحكنا في آن واحد، لنتقصى من خلال مسلسل (الخربة) حكايات عفوية تغذيها شخصيات مبنية وفق مخيلة كوميدية استثنائية، فبعد أن قدما ضيعة ضايعة بجزأيها الأول والثاني وما حققاه من شعبية كبيرة عادا هذا العام لينتقلا بنا من الساحل السوري في الضيعة الضايعة إلى جنوب سورية مع الخربة لنعيش بيئة تلك القرية التي تعيش صراعاً بين الماضي والحاضر وبين (أبو نمر وأبو نايف) كبيري عائلتي (بو قعقور وبومالحة).
كل يوم قصة منفصلة متصلة، قضية بسيطة على مستوى الضيعة تكشف لنا نماذج حية من المجتمع وتعري تحت ظل الكوميديا عشرات العثرات التي يعيشها الريف بفطريته وبساطته، معتمداً على تكنيك كركترات الشخصيات وردود أفعالها التلقائية المركبة وفق خلطة سرية للكوميديا الحياتية الواقعية.
تمكن مسلسل الخربة من أن يعيد لنا الفنان دريد لحام الذي أحببناه في شخصية غوار الطوشة وظل ضيف شاشاتنا منذ منتصف السيتينيات، لكنه عاد هذا العام ليقدم لنا شخصية جديدة بعيدة عن غوار ولكنها استطاعت رغم ذلك أن تلقى قبول المشاهدين وحبهم لها فقدم في الخربة شخصية (أبو نمر) كبير عائلة (بو قعقور) واستطاع أن يبني ويؤسس لشخصية حملت تفاصيل جميلة ودفعت المشاهدين لحبها كما فعلت شخصياته السابقة التي أداها على مرّ سنوات إنتاجه الفني واستطاع الفنان لحام أن يتمكن من اللهجة مثل تمكنه من تفاصيل شخصيته التي يؤديها، الأمر الذي جعل من المنافسة أمام النجم رشيد عساف (أبو نايف) أمراً بدهياً إذ التقى وجهان مختلفان للكوميديا السورية يقفان على أرض واحدة بتركيبة ندية ضمن العمل منحتنا متعة مختلفة.
البقعة تعود بقوة
استمرت سلسلة بقعة ضوء هذا العام بجزء جديد، حمل معه لوحات تعتمد كوميديا الموقف، وتحاول التطرق لمشاكل يومية ومعيشية، من ثم تناولها بقالب كوميدي يعتمد على فكرة لا مباشرة تحملها رشاقة أداء لمجموعة شابة من الممثلين، في حين كتب هذا الجزء كعادة الأجزاء التي سبقته مجموعة من كتاب الدراما، لكن الاختلاف هو أن الإشراف على انتقاء النصوص كان للكاتب مازن طه، هكذا حافظت بقعة ضوء على مكانتها لدى الجمهور مع تجربة جديدة للمخرج عامر فهد يخرج هذا العمل للمرة الأولى. كما حمل هذا الجزء معه عودة لفنانين يعدان من مؤسسي بقعة ضوء منذ بداياته قبل تسع سنوات هما الفنانان باسم ياخور وأيمن رضا.
تلفزة النكتة
ومع تلفزة النكتة القصيرة يعود مسلسل فزلكة عربية بجزئه الثاني للمخرج فادي غازي، ويتألف هذا الجزء من ثلاثين حلقة مدة كل واحدة 30 دقيقة تتألف من مجموعة من السكيتشات، مدة السكيتش الواحد لا تتجاوز الدقيقتين، والتي تتناول جملة من المواضيع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية للناس، بأسلوب كوميدي ساخر، يعتمد على النكتة والفكاهة ويقوم المسلسل على روح عصر السرعة من خلال عرض لوحاته القصيرة فيحاول إيصال الابتسامة إلى شفاه الجمهور بأسرع وقت، وهذا الكم من النكت يقابل غربلة نوعية تفرز ما يعتبر جديداً وما استهلك حقاً، لذا نجد فزلكة عربية خارج تصنيف الكوميديا كمسلسل مختلف أو كبصمة جديدة، فهو لا يختلف كثيراً عن مسرحة النكات التي يعرفها الناس جميعاً.
تجارب أولى
كما شاهدنا ضمن موسم الكوميديا الرمضاني هذا العام أعمالاً كوميدية حملت توقيع مخرجين جدد في عالم الدراما، أول هذه الأعمال كان صايعين ضايعين الذي قدمه المخرج صفوان نعمو وكتب نصه الكاتب رازي وردة. يحاول العمل طرح إحدى أهم المشاكل التي يعاني منها العالم العربي، وهي مشكلة البطالة، وذلك من خلال قصة صبحي وفريد اللذين يحاولان إيجاد فرصة عمل ولكن تحدث معهم دوماً قصص طريفة تجعلهم يخسرونها، ويتميز هذا العمل بمشاركة الفنان المصري حسن حسني الذي يلعب دور الضابط المتقاعد عزمي. تميز صايعين ضايعين بأنه ضم في صفوفه نجوماً من أكثر من جنسية عربية فكان فيه ممثلون مصريون وسعوديون ولبنانون وسوريون.
ومن التجارب الدرامية الأولى هذا العام، كانت تجربة المخرج مصطفى برقاوي الذي أخرج المسلسل الكوميدي crazy TV. وهو من تأليف الصحفية علا ملص وكان قد بدأ على شكل قصص مكتوبة على صفحات مجلة شبابلك وانتقل منها إلى الإذاعة على شكل برنامج إذاعي قدمته ملص، واليوم ينتقل العمل إلى مرحلة الصورة، ويعتمد على فكرة اللوحات ومدة كل حلقة كانت 15 دقيقة، تحاول من خلالها الكاتبة أن تطرح بعض المشكلات ونقدها، ومن المميز في هذا الاعتماد على التعليق أو Voice over، والذي يستخدم لأول مرة بهذا الشكل في الدراما السورية وأعطى هذا العمل الفرصة للعديد من الخريجين الجدد من المعهد العالي للفنون المسرحية للعمل فيه.
خلاصة
تجارب نوعية أخرى لا ترتقي إلى مستوى العرض، هكذا هي طبعة الكوميديا الرمضانية هذا العام من الدراما السورية، الجميع يجرب، والحالة الصحية هي الاختلاف، ولكن هل ينتظر المشاهد كل ذلك أم يقلب على شيء مضحك أكثر..؟
منتديات مملكة الفرات 
منتديات مملكة الفرات 
