ابتدأ هذا العصر بعد انتصار الاسكندر في موقعة إيسوس على الفرس
كان "دارا" الثالث ملك فارس يملك قدرات واسعة، فكان عدد رجاله يفوق عدد رجال الاسكندر المكدوني وكانت أمواله في "سوسا" هائلة وجاهزة وكان قصره في "برسيوبوليس" عامراً، وكان لديه أسطول كبير يحمي شواطئ آسيا الصغرى وسورية ومصر. ولكنه لم يكن قائداً ممتازاً
أما جيش الاسكندر فكان مكوناً من 40 ألف رجل مع 12 ألف مكدوني من المشاة و7 آلاف من كورنثا و5 آلاف من المرتزقة و8 آلاف من حملة الأقواس وراشقي المقاليع. وكانوا من تراقيا أما الفرسان فقد بلغ عددهم 5 آلاف منهم 1800 من أشراف المملكة، كما كان يصحبه عدد من المهندسين المختصين بفن الحصار وكان بصحبته الفيلسوف أرسطو معلمه، أما أسطوله فكان مؤلفاً من 180 سفينة
عبر "دارا الثالث" الفرات على رأس جيشه وكان قد حضر بنفسه متحدياً الاسكندر وطموحه، وكان الاسكندر قد أخضع آسيا الصغرى
وقرب أيسوس تأخر الاسكندر في "قلقيلية" عن قتال "دارا"، وكان لهذا التأخير أثر كبير في انتصاره إذ تقدم "دارا" إلى "قرب أيسوس" وقتل المرضى والشيوخ الذين تركهم الاسكندر. ولكنه في ذلك وضع نفسه في كماشة
تقدم الاسكندر على طريقته المألوفة في تنظيم الجيش، فقد كانت فرق المشاة في الوسط والخيالة إلى اليمين ومنها هاجم الاسكندر ميسرة الجيش الفارسي، بينما تقدم المشاة ببطء، وعندما عبروا النهر ارتبك خط القتال وتعرضوا لضغط الخيالة الفرس، ولكن وحداتهم الخيالة ساعدتهم في القضاء على جناح العدو. وبعد ذلك أدار الاسكندر المعركة باتجاه المكان الذي كان فيه دارا على عربته الحربية وحوله بطانته وقواده. ورغم إصابة الاسكندر في ساقه، طارد "دارا" الذي فر مع ميسرة جيشه، مما أرعب جيشه فتقهقروا باتجاه الشمال
كان "دارا" مذعوراً حتى أنه نسي أمه وزوجه فكانتا معه في معسكره في أيسوس. وحينما وصل إلى جبال الأمانوس ترك وراءه عربته ودرعه ورداءه الملكي وامتطى فرساً لينجو بحياته. وعندما احتل الاسكندر معسكر "دارا" وكانت معه هذه الغنائم، اعتقد نساء "دارا" وأهله أنه مات
ولكن الاسكندر أحسن معاملتهم وطمأنهم على سلامته، وعاد "دارا" إلى بلاده وكتب إلى الاسكندر طالباً استرداد أهله وعقد معاهدة معه. ولكن الاسكندر وعده بإعادة نسائه، ولكنه طلب إليه الاعتراف بسيادته على جميع أرجاء المنطقة
وكان انتصار الاسكندر في أيسوس قد فتح له الباب لاجتياح سورية ومصر، فلم يجد مقاومة كبيرة إذ كانت مدن الساحل السوري مفككة، لقد استسلمت جبيل بيبلوس التي حلت مكان صيدا وأرواد للاسكندر حتى أن ملك صور أمر بنحت تابوت الاسكندر وعلى جداره نقش معركة أيسوس، وقد صور الاسكندر وعلى رأسه غطاء من جلد الأسد والتف حوله الجند. وفي الوجه الآخر من التابوت صور الاسكندر مشتركاً في صيد السباع والوعول. وقد عثر على هذا التابوت العالم "مونته" وهو محفوظ في متحف استانبول
ومن دمشق حصل الاسكندر على كنوز "دارا" التي كان قد أودعها هناك خوفاً عليها من الضياع أثناء عبوره ممرات الأمانوس
كان حصار صور صعباً تطلب حيلاً هندسية وكان لسقوط هذه المدينة أثره في الاستيلاء على كامل سورية ومصر بعد استيلائه على دمشق وغزة. ثم توجه إلى بابل وفي عام 331ق.م جابه "دارا" وجيشه في معركة ضخمة، انتصر فيها الاسكندر و دخل بابل وأعاد إليها استقرارها بسرعة، لكي يتابع فتحه ملاحقاً "دارا" في "أكبادانا" عاصمة "ميديا"، ولكن "دارا" هرب إلى "بلخ" حيث قتله حاكمها (بلخ) حماية لما بقي من بلاد الأخمنيين. ثم عثر الاسكندر على الجثة فدفنها "رسمياً في "برسيوبوليس
تابع الاسكندر فتحه الهند، وعند عودته إلى بابل عام 323 توفي وهو في الثانية والثلاثين من عمره
بعد موت الاسكندر المكدوني في سنة 323ق.م اقتسم كبار الضباط التابعين له الممالك الواسعة التي استولى عليها الاسكندر، فكان نصيب "انتيغون" مكدونيا وآسيا الصغرى، وكان نصيب "بطليموس" مصر وفلسطين، وكان نصيب "سليقوس نيكاتور" سورية وبابل وفارس، وفي المنطقة الواقعة عند مصب العاصي أنشأ "انتيغون" مدينة الاسكندرونة أطلق عليها اسم الاسكندر سنة 317ق.م، وتقع بين العاصي ومخرج بحيرة أنطاكية، ثم قام "سليقوس نيكاتور" باحتلال هذه المدينة سنة 301، وأقام مدينة أطلق عيلها اسم "أنطاكية"، نسبةً إلى اسم أبيه "أنطوخيوس"، كما أنشأ مدينة أخرى باسم أمه "لاثوديسيا" لاذقية ثم أنشأ "مدينة أفاميا باسم زوجته "أباميا
واهتم "سليقوس" بمدينة أنطاكية فنقل إليها أنقاض مدينة "انتغونا" التي هدمها وشجّع الناس على سكن أنطاكية بأن منحهم حقوق اليونانيين وامتيازاتهم فازدهرت وصارت عروس الشرق وعاصمة الممالك السلوقية الممتدة من البحر المتوسط إلى حدود الهند
كان عصر هذا الملك مزدهراً وقوياً، فقد استعان بأفيال الهند في حروبه وخاصة عندما حاول الاستيلاء على مصر من بطليموس. ودخل بلاد الشام من الجنوب ولكنه فوجئ بتدخل الرومان الذين نازلوه. وابتدأ حكمهم في سورية
تعاقب على سورية في عصر السلوقيين 18 ملكاً كانوا في صراع مستمر مع البطالمة، ولقد أطلق المؤرخون الإغريق على هذه الحروب اسم الحروب السورية التي انتهت بسيطرة البطالمة على دمشق 276ق.م وعلى أنطاكية 246ق.م. وفي عام 150ق.م كان في سورية ممالك عربية تحاول التحرر والاستقلال كمملكة الأباجرة في "الرها" أديسا وإمارة أذينة في تدمر وإمارة شمسيغرام في حمص والرستن وإمارة الأيتوريين في البقاع عنجر. ودولة الأنباط الذين دخلوا دمشق عام 85ق.م. زمن الحارث الثالث. وهكذا أصبح السلوقيون في مأزق حتى انتهى عصرهم على يد الرومان