يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (173) سورة الشعراء
إن العلاقة الجنسية حتى تكون طبيعية ومقبولة بشريا يجب أن تنشأ بين الذكر والأنثى، وكل محاولة لإخراجها عن هذا المسار تعتبر من قبيل الدفاع عن الانحراف المخل بثمرة الغريزة الجنسية، وعن تثمير هذه العلاقة فيما لا يحقق نتائجها، إذ العقول البشرية السوية مجمعة بالقول والحال على ممارسة الغريزة الجنسية مع الأنثى المحل الطبيعي المقبول للمواطأة، وإذا وجدنا في القدم والعصر الحديث من ينادي بمجاوزة الأنثى إلى الذكر في الممارسة الجنسية؛ فإن ذلك لن يطعن في هذه القاعدة وإنما هو في حصيلته النهائية سلوك شاذ ومرفوض كليا على مستوى الشأن البشري، يؤكد القاعدة ولا يلغيها، بدليل استنكاف الغالبية من الناس عنه. واعتباره أمرا يخالف الفطرة أولا والغاية من الجنس ثانيا، ويمثل اعتداء على حقوق المرأة ثالثا لأنه لا يمكن في حالة سيادة هذا اللون من العلاقات ـ
كما تروج له بعض الدعايات المغرضة ـ أن تقبل به المرأة خاصة والرجل عموما ـ لأن استشراء هذا السلوك المنحرف سوف يحرمها لا محالة من إشباع رغبتها الجنسية، وفي الوقت نفسه سيكون هذا الشذوذ ضربة قوية لكرامة المرأة حين يعزف الرجل عنها إلى قبله. وإذا كانت البشرية ممثلة في الحضارة الغربية تريد أن تؤصل لهذا الشذوذ لتسوغ فعله وممارسته وتبرر مصداقيته بحكم قيادتها للعالم وبحكم ما حققته من تقدم مادي فإن ذلك لا يعطيها الشرعية للدفاع عن جريمة لن يطال أثرها الأفراد والجماعات فحسب ولكنها جريمة في حق الجنس البشري. لأن النتائج المترتبة عن هذا الشذوذ في حالة تعميمه على الإنسان هو تدمير للنوع البشري ومحق لوجوده من كوكبنا الأرضي، لأن الاستغناء عن الزواج الطبيعي معناه إهدار هذه الطاقة الجنسية في غير ما أعد لها. ولن ينتج عنه إلا الفناء المتدرج لجنس البشر فهي دعوة صريحة باعتبار مآلاتها إلى الإبادة الماحقة للوجود البشري،
وإذا كانت المدنية الغربية لرعونتها وانسياقها وراء الأهواء الذاتية والشهوات والنزوات الآنية قد ضلت سبيل الرشاد والهداية والاستقامة على المنهج السديد الذي يشهد على صوابيته العقل والنقل والتجربة الإنسانية الطويلة والموغلة في التاريخ. فإن الإسلام باعتباره دينا إلهيا للبشرية جمعاء وقف بتشريعه الحكيم مصوبا ومعاديا لهذه الحماقات المرضية غير السوية والمخلة بالقيم الخلقية نزلا ـ كإجراء تقويمي ـ أشد العقوبات الزجرية على كل من سولت له نفسه الخروج عن الناموس الإلهي وقانون الاجتماع البشري، والانحراف بغريزته الجنسية الشاذة عن الطبيعة والفطرة التي فطر الله الناس عليها أجمعين في العلاقات الجنسية بين الذكر والأنثى. كما اشتد نكيره على من أسهم في هذا السلوك السمج الذي يؤدي إلى الهاوية لا محالة في العصف بالأسرة التي هي الركيزة الأساسية في بناء المجتمع السليم حتى لا يصيبها التفكك الذي يعاني منه الغرب اليوم.
فكان من سنة الإسلام من تشريعاته أن تظل العلاقات الجنسية نظيفة عن كل ما يخرجها عن إطارها الطبيعي ويميل بها إلى أن تصبح علاقة تتحسنية لا يبتغي متعاطيها إلا أن يشبع شهوته البهيمية ولو عن سبيل إتيان الذكر للذكر (اللوطية) أو المرأة للمرأة (السحاق) فذلك ما لا يرضاه الإسلام ويحرمه تحريما قاطعا ولا يدع مجالا للاختلاف في هذا الأمر منذ أربعة عشر قرنا ونيف حيث أخبر في كتابه العزيز عن صنيعه مع قوم لوط الذين اشتهروا بهذا الإجرام وانفردوا به عن العالمين فنعتهم تعالى حينا بالظالمين حيث قال في سورة هود آية 82 ـ 83 (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) وحينا بالعادين فقال جل جلاله (أتاتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون). سورة الشعراء 165 ـ 166 وأخرى ثالثة بالفاسقين حيث قال: (ونجيناهم من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين< سورة الأنبياء (84).
بل إن الإسلام حذر من الوقوع فيما وقع فيه قوم لوط ونهى أن يقرب الرجل زوجته أثناء الحيض من فرجها ناهيك عن دبرها ولم يأذن بإتيانها إلا في حالة الطهر ومن المكان المقبول به شرعا وهو مكان الولد الذي قصر الإتيان فيه دون سواه سدا لذريعة اللواط مع أي كان فقال تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة 222.
منعا لأي تأويل يبيح إتيان النساء في أدبارهن وكل مخالف لما ذكر فهو مرتكب للكبيرة إن لم تخرجه عن الملة فهي موقعة له في الإثم الشديد من اللعن والطرد من رحمة الله. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم بشاعة هذا النهي الرباني في كثير من أحاديثه وسنته البيانية فقال عليه الصلاة والسلام: " أخوف ما أخاف عليكم عمل قوم لوط " رواه ابن ماجة والترمذي وصححه الحاكم.
وقال أيضا فيما رواه ابن حبان في صحيحه "لا ينظر الله إلى رجل أتى ذكرا أو امرأة في دبرها " وغير هذين الحديثين كثير يمكن الرجوع إليها في مظانها في الفقه الفروعي. وإذا كانت الشرائع الإلهية فيما قبل هذه الأمة عاقبت الطاغين والفاسقين عقوبات مادية تتنزل عليهم من السماء مصداقا لقوله تعالى: (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسل عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) العنكبوت 40.
فإن القوانين الإلهية اقتضت أن تعامل البشرية منذ رسالة محمد صلى الله عليه وسلم معاملة لا يلغى معها العقاب كلية. وإنما يلغى في شكله المادي المنزل من السماء على شكل الصواعق والخسف.... كما كان من قبل فنرى على سبيل المثال أن عقاب الرجم من السماء استبدل بعقاب الرجم من الإنسان نفسه تطبيقا لسنة الله في خلقه من مؤاخذة الجاني بجريرته والأخذ على يده بالعقوبة الزاجرة حتى يرتدع ويتوب إلى رشده. أما بقية العقوبات القدرية فتصيب الإنسانية بكيفيات أخرى كالأمراض والأخذ بالسنين ونقص من الثمرات والمنع من القطر وضيق العيش وجعل البأس بين الناس شديدا، ومصاديقها واضحة في هذا العصر وضوح الشمس وإن لم يشعروا. فبمقدار ما تقدم الإنسان الحديث وحقق الرفاهية والرغد بقدر ما يعيش في ضنك العيش وقلق واضطراب وأمراض فتاكة متنوعة وقف أمامها الإنسان عاجزا.
وتحارب وتقاتل ونزاعات تغطي مختلف مناطق العالم ثم إن هذا الشذوذ الذي عاقب عليه قوم لوط أشد العقاب، وحذر منه البشرية على لسان خاتم الأنبياء هو ما برهنت أحداث الواقع الحديث على صدقيته وأن ما نطق به خبر السماء لم يكن ضربا من العبث أو رأيا بشريا لمحمد عليه الصلاة السلام وإنما هو قانون خالق البشر ينظم ما ينبغي أن يكون عليه الاجتماع البشري إن أراد أن يسلم في سيره نحو الرقي والتقدم المادي والروحي من عواقب الوقوع في مخالفة الأمر الإلهي. وعندما حاول البعض السيئ من هذا الاجتماع تحدي السنة الإلهية بالتمادي في غيه الجنسي وإطلاق العنان لشبقه الغريزي في أن يخترق الناموس، ويستبيح المحظور منه كانت الفاجعة واضحة، والنكبة ظاهرة تصدم بجلائها عقول الأطباء التي وقفت حائرة أمام مرض ضعف المناعة والذي شكل خطرا كارثيا هدد ـ ولا يزال يهدد ـ
حياة الإنسان وأمنه وطمأنينته، ولا يزال يكتوي بناره ملايين البشر ويتنامى ويتعاظم صياح العقلاء من العلماء والمفكرين وكبار المختصين من الأطباء بشجب هذه السلوكات الجنسية والتحذير من مغبة الاسترسال في ممارستها، واعتبار ذلك عدوانا ليس على القيم والأخلاق الإنسانية والفضائل الدينية فحسب وإنما على حق الإنسان في الحياة ما دام المترتب على هذه الممارسات يحرم الإنسان الحياة ذاتها. ويكبد البشرية تكاليف باهضة من القلق النفسي والجزع الروحي والمالي والتعب العلمي لمحاصرة هذه الآفة التي أقلقت راحة الغيورين على مستقبل الإنسان في هذا الكون، وكان من السهل الاستغناء عن كل هذه الجهود والاستعدادات لو التزم الإنسان بمنهج الله وكف عن مخالفته واستجاب لهدي السماء فكيف يعقل مع هذه الصيحات الموقظة لضمير البشرية أن يتمادى فريق من المنحرفين المختلين سلوكا الذين استحبوا العمى على الهدى في معاندة صوت الحق والعلم والتنادي إلى عقد مؤتمر الفضيحة والشنار بهدف التشغيب وإعادة إنتاج الشغب على سلامة وأمن وصحة البشر. |