تاريخ سوريا القديم
إن المنطقة التي تشمل حاليًا سوريا، تشير التنقيبات الأثرية أنها كانت مأهولة بالبشر منذ 750 ألف عام،[12][13]بحيرة طبرية لبقايا إنسان من فصيلة أسترالوبيثكس تمت عام 1959، كما عثر في مناطق مختلفة من سوريا وشمال العراق على بقايا عظمية لإنسان نياندرتال تعود لحوالي 65 ألف عام، ويوجد أيضًا مكتشفات أخرى للإنسان العاقل تعود لحوالي 150 ألف عام أي العصر الحجري القديم. وفق مكتشفات بالقرب من
خلال تلك الفترة كان البشر يقطنون في مغاور على شكل جماعات يؤمنون القوت من جمع الثمار أو الصيد مشكلين خلية اجتماعية بدائية، ولم يحدث أي تطور إلا مع اكتشاف الزراعة حوالي عام 12000 قبل الميلاد ودام العصر الزراعي ستة آلاف عام في سوريا. أبرز موقع لسبر أغوار تلك الحقبة هو وادي النطوف، حيث عثر على بقايا عظام بشرية إلى جانب بقايا عظام حيوانات داجنة ومعاول ومعازق صوانية، لم تكن سوريا المنطقة الوحيدة في الشرق التي عثر فيها على مثل هذه الآثار، إذ اكتشف ما يماثلها في منطقة كسار عقيل في إنطلياس ضمن حدود لبنان وفي منطقة كريم شهر شمال العراق، وآثار أخرى قرب البحر الميت في الأردن. إثر اكتشاف الزراعة ظهرت بوادر الاستقرار الدائم في الأرض بدلاً من التنقل بحثًا عن القوت، وظهرت بالتالي أولى القرى. أقدم مكتشفات حالية تعود لتلك الحقبة ترجع للألف السابع قبل الميلاد في رأس شمرا وتل مربيط والرقة ويعود لهذه الفترة نفسها تأسيس أريحا في فلسطين لتكون أقدم مدينة لا تزال مسكونة حتى الزمان الحاضر
قرابة الألف الخامس قبل الميلاد وتزامنًا مع اكتشاف المعادن وصنع السوريين القدماء للمحراث ازداد إنتاج المحاصيل الزراعية وتطورت التجارة، فأخذ المجتمع الزراعي يتحول إلى شكل أكثر تنظيمًا فظهرت الطبقات الاجتماعية ودور العبادة ثم السلطة الحاكمة. نشأت خلال تلك الفترة دمشق لتكون أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، أما عن معالم النظام السياسي الذي كان سائدًا فهو نظام المدينة الدولة، إذ إن سكان المدينة وهم غالبًا ما ينحدرون من جد واحد، يسكنون في قلب المدينة حول المعبد بعضهم يعمل في الصناعة وخصوصًا التعدين والبعض الآخر بالزراعة ويقومون باقتسام الناتج، أما آلية اتخاذ القرارات فكانت باجماع وجهاء المدينة، وقد شهد ساحل بلاد الشام وحده على 25 مدينة دولة من هذا النوع، ويمكن تشبيه تلك المدن من حيث حجمها وعدد السكان بالقرى الكبيرة الآن. ابتداءً من الألف الرابع قبل الميلاد أخذ سكان سوريا بتقدير الفن والفنون، ثم شقوا القنوات المائية مطورين بذلك آليات الزراعة والري، وطوروا الكتابة التي بدأت تصويرية في مصر والعراق فأصبحت أبجدية في أوغاريت وجبيل، تزامنت ذلك مع نشوء الحضارة السومرية الحديثة في جنوب العراق والتي أثرت بشكل بالغ على تاريخ سوريا خلال الألف الثالث قبل الميلاد.
ممالك المدن والإمبراطوريات
مقالات تفصيلية :مملكة ماري و أوغاريت و إبلا و مملكة كانا و ملحمة أقهات
شهد الألف الثالث قبل الميلاد قيام ممالك وحضارات مزدهرة في سوريا أبرزها مملكة ماري على نهر الفرات والتي امتدت حدودها حتى حلب ومملكة إيبلا ضمن محافظة إدلب اليوم إلى جانب مملكة أوغاريت على الساحل والتي ظهرت بها واحدة من أقدم أبجديات العالم، وصدرت منها ملحمة أقهات التي نالت انتشارًا واسعًا في أدبيات الشرق القديم.وقامت إلى جانب هذه الممالك، ممالك أخرى أقل أهمية كمملكة كانا في الشمال الشرقي قرب نهر البليخ وممالك في حلب ودير الزور.
اكتشفت خرائب مدينة ماري إلى الجنوب الشرقي من دير الزور على يد بعثة فرنسية عام 1933، استمرت في عملها حتى عام 1939، أثبتت التنقيبات أن سكان الممالك السورية القديمة قد أقاموا أحلافًا مع بعضهم البعض وسيّروا القوافل التجارية التي وصلت إلى مصر وبلاد فارس ما أدى إلى تفاعلات حضارية عديدة بحكم العلاقات التجارية. وابتدعوا أسسًا هندسية في البناء والإنارة إلى جانب صناعة المركبات والنسيج، كذلك فقد وضعوا تقويمًا خاصًا وأسسوا المدراس والمكتبات وإلى جانب صك النقد وتنظيم الفائدة مقابل الإقراض والنخاسة ويعتبر القصر الملكي المكتشف في مملكة ماري واحدًا من أبرز المكتشفات في آسيا الغربية وهو يحوي ثلاثمائة غرفة وفسحة ودار ولا تزال جدرانه المزينة سليمة ما يساهم في دراسة الفنون في الحضارات السورية القديمة. ومجاري الصرف الصحي.
في الممالك الثلاث اكتشفت رقم مكتوبة بالخط المسماري تؤرخ لتلك المرحلة وتصف الحياة والمعتقدات الدينية وحياة الملوك إلى جانب رقم خاصة بموجودات مخازن الدولة وما يصدر عنها ويرد إليها وقد أفرد السوريون القدماء اهتمامًا خاصًا للمسلات كرمز للالتقاء بين الأرض والسماء، وربما تكون مسلات مملكة ماري أقدم من مسلات الفرعونية في مصر. تصنف الحضارة السورية القديمة على أنها جزء من الحضارة السومرية التي ازدهرت بنوع خاص في جنوب العراق، أما حضارة الساحل السوري وامتداده فتصنف كجزء من الحضارة الفينيقية.
في عام 2350 قبل الميلاد أصبح سرجون الأكادي ملكًا على كيش جنوب العراق، واستطاع أن يوسع ملكه مسيطرًا على العراق بكامله ثم اتجه شمالاً فاحتل غرب إيران وجنوب الأناضول فبلاد الشام برمتها مؤسسًا إمبراطورية شاسعة وجدت آثار لتجارتها في البحرين والهند، واستمرت الإمبراطورية الآكادية تحكم سوريا 120 عامًا وأرست نظامًا فيدراليًا، بيد أنها انهارت بسبب ضعف الملوك الذين خلفوا نارام سين حفيد سرجون الأكادي واجتياح الجوتيينالعيلاميون للبلاد عام 2230 قبل الميلاد. وإثر زوالهم أواخر الألف الثالث قبل الميلاد عاد نظام المدينة الدولة من جديد، وبرزت الحضارة الكنعانية في الداخل السوري وامتدادها الساحلي ممثلاً بالحضارة الفينيقية،[32] وعلى الرغم من عدم توجدهم برئاسة ملك واحد وفي إطار دولة واحدة إلا أن الممالك الكنعانية والفينيقية شكلت أحلافًا بين بعضها البعض تحت قيادة مدن كبرى كانت أوغاريت عاصمتها في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. إلا أن حمورابي وهو سادس ملوك بابل استطاع إعادة بناء إمبراطورية تشمل الهلال الخصيب برمته، وسببت جيوشه اندراس عدة مدن وحضارات في سوريا أبرزها مدينة ماري. ثم انهارت الإمبراطورية البابلية في القرن السادس عشر قبل الميلاد وتعرف القرون الخمسة تلت انهيارها باسم القرون المظلمة، إذ توالى على حاكم سوريا إمبراطوريات هندوأوروبية أبرزها الكاشية والحثية ورغم المصريون بالسيطرة على البلاد ونجحوا خلال حكم رعمسيس الثاني في احتلال جنوبها خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد. مع زوال هذه الإمبراطوريات برز في القرن الحادي عشر قبل الميلاد الممالك الآرامية، كبيت آغوشي وآرام دمشق،شلمنصر الثالث في القرن التاسع قبل الميلاد توحيد الهلال الخصيب مجددًا ومؤسسًا بالتالي الإمبراطورية الآشورية والتي أعقب زوالها عام 612 قبل الميلاد قيام نبوخذنصر بالمحافظة على إمبراطورية شاسعة موحدة للهلال الخصيب هي الإمبراطورية الكلدانية. إلى أن استطاع
مع انهيار الإمبراطورية الكلدانية عام 531 قبل الميلاد دخلت سوريا تحت حكم الفرس والذين منحوا البلاد حكمًا ذاتيًا كانت عاصمته دمشق، إلى أن برز الاسكندر المقدوني، وقد تميزت خلال تلك الحقبة اللغة الآرامية كلغة سوريا والهلال الخصيب في التخاطب، إلى جانب نبوغ عدد من العلماء في الطب والرياضيات والفلسفة والفلك، إلى جانب التطور في العبادات الدينية وبروز عدد من الميثولوجيات التي يمكن استشفاف ذلك منها.
السلوقيون والرومان
فتح الإسكندر المقدوني الهلال الخصيب عام 333 قبل الميلاد وقضى على الإمبراطورية الفارسية بقيادة داريوس الثالث وأنشأ إمبراطورية مترامية الأطراف ثم مات في بابل عام 323 قبل الميلاد، فاقتسم قواده الإمبراطورية وآل الهلال الخصيب إلى حكم سلوقس الأول والذي سمى نفسه "ملك سوريا" وسار خلفائه على نهجه، ليظهر مصطلح سوريا بشكل رسمي في التاريخ كتسمية للبلاد لأول مرة. اهتم سلوقس الأول بالعمارة والبناء ونقل عاصمة مملكته من بابل إلى سلوقية التي بناها على اسمه عام 307 قبل الميلاد وتدعى اليوم المدائن، ثم بنى أنطاكيةقبل الميلاد تخليدًا لاسم والده أنطوخيوس. ونقل إليها العاصمة سنة 300
انتشرت في عهد سلوقس وخلفاءه الثقافة الهيلينية اليونانية وباتت اللغة اليونانية تعامل كلغة الثقافة، وبنيت خلال عهد سلوقس الأول فقط 34 ميدنة كان أكبرها إلى جانب أنطاكية كل من أفاميا قرب حماه واللاذقية ودورا أوربوسنهر الفرات. شهدت تلك الحقبة استيطان جنود سلوقس الأول اليونانيين في سوريا، مختلطين بسكانها الأصليين، وفاقدين بشكل تدريجي هويتهم السابقة بما يعرف باسم التمازج الاثني. وقد كُدرت الحقبة السلوقية بسلسلة الحروب السورية التي قامت بين السلوقيين والبطالمة حكام مصر، ولم تنته هذه الحروب حتى عام 198 قبل الميلاد حين استطاع أنطوخيوس الثالث ضم الأردن وفلسطين إلى مملكته مبعدًا النفوذ المصري عنها،إيران وأفغانستان وشمال الهند ضامًا إياها إلى الإمبراطورية. على وكان أنطوخيوس الثالث قد قام قبلاً باحتلال
أما خليفته أنطيوخوس الرابع فقد استطاع عام 169 قبل الميلاد احتلال مصر وحاصر الإسكندرية، وهي المرة الأولى التي تحاصر فيها المدينة منذ تأسيسها، غير أن إمبراطور روما هدد الملك السلوقي فرفع الحصار عنها، وخلال عودته عرج أنطوخيوس الرابع على القدس وأقام مذبحًا للإله زفس في قدس الأقداس ضمن معبد سليمان ما أدى إلى قيام ثورة عبرية استطاعت تأسيس الدولة المكابية، وهو ما يروى أحداثه بالتفصيل في سفري المكابين الأولالثاني فيالعهد القديم. إثر وفاة أنطيوخوس الرابع ضعفت الدولة وتفككت أوصالها، واستطاع ديكران ملك أرمينياكيليكيا وساحل بلاد الشام حتى عكا عام 69 قبل الميلاد، غير أن الرومان هزموه وفتحوا سوريا بعد فترة وجيزة عام 64 قبل الميلاد تحت قيادة بومبيوس الكبير، ودعيت المنطقة "ولاية سوريا الرومانية".
تفاعل السوريون مع الفتح الروماني، واستطاعت العائلة السيفيرية المنحدرة من مدينة حمص أن تخرج خمسة أباطرة لروما خلال سيطرتها على العرش بين عامي 192 و236 وهم سبتيموس سيفيروس وزوجته جوليا دومناكاراكالا وغيتا وإيلاغابال والكسندر سيفيروس، تلاهم فيليب العربي بين عامي 244 و249 وهو من ترأس الاحتفال الألفي لذكرى بناء روما. إلى جانب ولاية سوريا الرومانية استحدثت في جنوب سوريا والأردن الولاية العربية الرومانية، والتي كانت عاصمتها بصرى إلى الجنوب من دمشق، وتعتبر هذه الولاية وريثة مملكة الأنباط.مملكة تدمر والتي تمتعت بحكم ذاتي ثم ثارت على روما وحازت نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا واسعًا خلال عهد الملك أذينة ثم زوجته زنوبيا قبل أن يدرمرها الرومان عام 272. و ويذكر في هذا الإطار أيضًا
أما المسيحية والتي بدأت في القدس فبحسب سفر أعمال الرسل، فقد قام رسل السيد المسيح بالتبشير فيها مباشرة، وحسب السفر أيضًا فقد دعي المؤمنون بالسيد المسيح مسيحيين للمرة الأولى في أنطاكية عاصمة البلاد آنذاك. واقام في مدنها عدد من الرسل السبعون الذين عينهم يسوع حسبما ورد في إنجيل لوقا،[لوقا 1/10] أبرزهم حنانيا الذي غدا أسقف دمشق وأمبيلاس أسقف الرها ولوسيوس أسقف اللاذقية وآرستاخوس أسقف أفاميا. ومن دمشق انطلق بولس الرسول أيضًا،وتشير التنقيبات والحفريات الأثرية إلى اعتناق السوريين للمسيحية مبكرًا، ومن المعروف أن مملكة الرها التي قامت شمال حلب وحكمتها عائلة الأباجرة هي أول مملكة اتخذت المسيحية دينًا رسميًا. لاحقًا، عين مجمع نيقية عام 325 مدينة أنطاكية كرسيًا بطريركيًا إلى جانب أربع مدن أخرى كانت عواصم العالم المسيحي هي: القدس وروما والإسكندرية والقسطنطينية، كما برز العديد من اللاهوتيين السوريين الذين لعبوا دورًا بارزًا في المجامع المسكونية واعتبرت مدرسة أنطاكية اللاهوتية من أقوى مدارس العالم المسيحي القديم القديم إلى جانب مدرسة الإسكندرية.
برزت سوريا خلال القرنين الرابع والخامسكمعبر تجاري هام قوامه طريق الحرير الذي كان يبدأ في الصين وينتهي قرب أنطاكية، وتطورت اللغة الآرامية واشتقت منها اللغة السريانية التي باتت لغة سوريا اليومية، وبزغت العلوم والآداب متمثلة بالمدراس والجامعات وأبرزها في الرها ونصيبين وحران وغيرهم، غير أنه وبدءًا من النصف الثاني للقرن الخامس بدأت الاضطهادات الطائفية التي قادتها الإمبراطورية البيزنطية ضد من رفض مجمعي أفسسخلقدونية، وانقسم الكرسي الأنطاكي على ذاته مرتين الأولى عام 431 والثانية عام 518، وانهار الوضع الاقتصادي بنتيجة زيادة الضرائب واندلاع الحروب بين الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الفارسية واستطاع كسرى الأول عام 540 أن يحرق حلب وينهب أنطاكية وأفاميا وأعاد كسرى الثاني الكرة عام 613 فدمر دمشق وقتل معظم سكانها، ثم استرد هرقل سوريا بهجوم مضاد على االفرس