تركيا مشغولة منذ فترة ليست قصيرة بقضية اجتماعية مشتركة مع معظم دول العالم، وهي تعنيف النساء، لكنها تعرف إحدى أعلى النسب في هذا المجال، بما أن امرأة تركية واحدة على الأقل تموت يومياً بسبب العنف الأسري. وقد أثار التصريح الأخير لرئيس نقابة موظفي "مديرية الشؤون الدينية"، لطفي شنوجاك، حفيظة الناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، بما في ذلك الهيئات النسائية الاسلامية، إذ دعا، في إحدى أهم المؤسسات الرسمية التابعة مباشرة لرئاسة الوزراء، والتي تُعنى بكل ما يتعلق بالشؤون الدينية في البلاد، كل امرأة تتعرض للعنف المنزلي إلى أن تلجأ للأئمّة "كي يساعدوها ويتوسطوا لإصلاح ذات البين"، بدل دعوتهنّ إلى اللجوء للشرطة.
ويأخذ كلام شنوجاك بُعداً خطيراً، لأنّ أنقرة تحاول منذ فترة توعية أئمّتها الستين ألفاً في مجال العنف الأسري والتمييز الجندري اللاحق بالمرأة. في المقابل، فإنّ طيفاً واسعاً من الناشطين الأتراك، وخصوصاً في مجال الحركة النسوية والحقوقية عموماً، نظروا إلى تصريحه على أنه إشارة واضحة إلى العقبات التي ستتعرض لها هذه المحاولة الحكومية. ونظراً إلى أن ثلث النساء التركيات يتعرّضن للعنف المنزلي، فقد قرّرت الوزيرة الجديدة للشؤون العائلية والسياسات الاجتماعية، فاطمة شاهين، إطلاق حملة لمعالجة القضية. بين المقترحات التي تناقشها شاهين مع مسؤولي وزارة الداخلية، نظام تعقُّب إلكتروني يهدف إلى إبعاد المعتدين عن ضحاياهم من النساء. وبموجب خطة شاهين، تُعطى المرأة التي سبق أن تعرضت للتعنيف، قلادة إلكترونية لإنذار الشرطة في الحالات الطارئة. وحين تتعرض للاعتداء، ما عليها سوى الضغط على "جرس الانذار" لتحضر الفرق الأمنية المختصة. ودان شنوجاك بشدّة هذه الاقتراحات، مشيراً إلى أنها "لا أخلاقية وتهدّد وحدة العائلة"، تماماً مثلما رأى بعض رجال الدين في لبنان أنّ تعديل قوانين الأحوال الشخصية بما يحمي المرأة من عنف زوجها، هو "تدخُّل للدولة بالشؤون العائلية والدينية".
وبطريقة غير مباشرة، وبّخ شنوجاك الوزيرة شاهين لأنّ هذه السياسات تعكس "جهلاً" وعدم فهم لشؤون العائلة كمؤسسة. ويرى شنوجاك أنه يوجد دائماً "خلافات بسيطة" بين أي زوجين، وبالتالي فهو يقترح أن تبقى بينهما وألا يكشف عنها، لأن الاتصال بالشرطة "يثير غضب الرجل وبالتالي يزيد من مستوى عنفه، وبانتظار وصول الشرطة، فإنّ الضحية تكون قد أصبحت ربما في غيبوبة". ولا يتوقّف شنوجاك عند هذا الحدّ، ليحذّر من أنّ هذه النظم ستلجأ اليها ربما النساء اللواتي يشعرن بالغيرة على أزواجهنّ أيضاً، وبالتالي قد يسئن استخدام هذه الوسيلة، من هنا خطر أن تتحوّل الخلافات البسيطة التي تصل إلى الشرطة، إلى مشاكل كبيرة من شأنها أن تؤدي إلى الطلاق.
وقد أثار تصريح شنوجاك غضب كثيرين، حتى الكاتبة الاسلامية نهال بنغيشو كاراجا، التي قالت في مقال لها في صحيفة "هابرتوك"، إنه "إذا بقيت بنية العائلة حصينة في وجه التدخلات (مثلما يطلب شنوجاك)، فإن الوضع سيصبح مريحاً لطرف واحد من العائلة (هو الذكر)، بينما سيتحول إلى سجن مؤلم للطرف الآخر (المرأة)، ومثل هذه الحالة ستؤدي إلى تفكيك العائلة". بدوره، فإنّ الناشط في المجتمع المدني، يالفوظ آلتان، الذي يعمل ضمن مجموعة تتخذ لها شعار "نحن لسنا رجالاً"، يتهم شنوجاك بـ"الدفاع عن العنف ضد المرأة"، لأنه "في عالم شنوجاك، فإنّ المرأة هي أداة تلبي حاجيات الرجل طوال النهار. وفي هذا العالم، الرجل يعدّ نفسه ملكاً ووسائل حماية المرأة تقلّص من سلطة الرجل، وشنوجاك يحاول أن يقول لا تتدخلوا في عمل الرجل وسلطته".
ووفقاً للقانون التركي، لا يحق لقوات الأمن إهمال شكاوى النساء اللواتي يصرحن عن تعرّضهن للعنف المنزلي. ويرى العديد من المدافعين عن حقوق المرأة أنّ القانون يحفظ حق المرأة بعدم التعرض للعنف، إلا أن المشكلة تبقى في أنّ وعي السلطات لهذا الأمر لا يزال ضعيفاً، وهو ما يترجم بأنّ السلطات تتغاضى عن ملاحقة الاعتداءات أحياناً. وللتغلب على هذه المشكلة، سعت تركيا خلال العامين الماضيين إلى إقامة مراكز تدريب وتوعية لقوات الشرطة والقضاة والمدعين العامين وأئمة المساجد، وذلك بمساعدة صندوق الأمم المتحدة للسكان. وشهد العام الماضي توقيع بروتوكول بين وزارة الشؤون العائلية و"مديرية الشؤون الدينية" بهدف تدريب الأئمة وتوعيتهم على الاشكاليات التي يطرحها موضوع العنف الأسري. ومنذ 2008، تُبذَل الكثير من الجهود لإشراك موظّفي المديرية في كل أنشطة جمعيات حقوق المرأة. وقد عملت المديرية في الأعوام الثلاثة الماضية على العديد من العناوين، من بينها المساواة بين الجنسين، وتعريف العنف والتقاليد ومقاربة الاسلام لهذه القضايا. المرحلة الأولى من المشروع توخّت إشراك 40 إمام مسجد من أنقرة للتباحث في قضية المساواة بين الجنسين. كذلك شارك الأئمة في برامج توعية لدرس العقبات التي تمنع تساوي الجنسين، وتدربوا على كيفية مساعدة ضحايا العنف المنزلي. وهذه المجموعة من الأئمة التي خضعت للتدريب بدأت بتمرين مجموعات أخرى. وحتى نهاية العام الجاري، سيكون نحو 12 ألف إمام قد خضعوا لدورات توعية حول موضوع العنف المنزلي.