هل الإنسان مسير أو مخير؟
الإنسان مسير وميسر ومخير، فهو مسير وميسر بحسب ما مضى من قدر الله، فإن الله قدر الأقدار وقضى ما يكون في العالم قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، قدر كل شيء سبحانه وتعالى، وسبق علمه بكل شيء، كما قال عز وجل: إنا كُل شيْءٍ خلقْناهُ بقدرٍ[1]، وقال سبحانه: ما أصاب منْ مُصيبةٍ في الْأرْض ولا في أنْفُسكُمْ إلا في كتابٍ منْ قبْل أنْ نبْرأها[2]، وقال عز وجل في كتابه العظيم: ما أصاب منْ مُصيبةٍ إلا بإذْن الله[3]، فالأمور كلها قد سبق بها علم الله وقضاؤه سبحانه وتعالى، وكل مسير وميسر لما خُلق له، كما قال سبحانه: هو الذي يُسيرُكُمْ في الْبر والْبحْر[4]، وقال سبحانه: فأما منْ أعْطى واتقى * وصدق بالْحُسْنى * فسنُيسرُهُ للْيُسْرى * وأما منْ بخل واسْتغْنى * وكذب بالْحُسْنى * فسنُيسرُهُ للْعُسْرى[5]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)) أخرجه مسلم في صحيحه.
ومن أصول الإيمان الستة: الإيمان بالقدر خيره وشره، فالإنسان ميسر ومسير من هذه الحيثية لما خُلق له على ما مضى من قدر الله، لا يخرج عن قدر الله، كما قال سبحانه: هُو الذي يُسيرُكُمْ في الْبر والْبحْر[6]، وهو مخير أيضا من جهة ما أعطاه الله من العقل والإرادة والمشيئة، فكل إنسان له عقل إلا أن يسلب كالمجانين، ولكن الأصل هو العقل، فمن كان عنده العقل فهو مخير يستطيع أن يعمل الخير والشر، قال تعالى: لمنْ شاء منْكُمْ أنْ يسْتقيم * وما تشاءُون إلا أنْ يشاء اللهُ[7]، وقال جل وعلا: تُريدُون عرض الدُنْيا واللهُ يُريدُ الْآخرة[8] فللعباد إرادة، ولهم مشيئة، وهم فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم، كما قال تعالى: إن الله خبير بما تعْملُون[9]، وقال سبحانه: إن الله خبير بما يصْنعُون[10]، وقال تعالى: إنهُ خبير بما تفْعلُون[11]، فالعبد له فعل وله صنع وله عمل، والله سبحانه هو خالقه وخالق فعله وصنعه وعمله، وقال عز وجل: فمنْ شاء ذكرهُ * وما يذْكُرُون إلا أنْ يشاء اللهُ[12]، وقال سبحانه: لمنْ شاء منْكُمْ أنْ يسْتقيم * وما تشاءُون إلا أنْ يشاء اللهُ ربُ الْعالمين[13] فكل إنسان له مشيئة، وله إرادة، وله عمل، وله صنع، وله اختيار ولهذا كلف، فهو مأمور بطاعة الله ورسوله، وبترك ما نهى الله عنه ورسوله، مأمور بفعل الواجبات، وترك المحرمات، مأمور بأن يعدل مع إخوانه ولا يظلم، فهو مأمور بهذه الأشياء، وله قدرة، وله اختيار، وله إرادة فهو المصلي، وهو الصائم، وهو الزاني، وهو السارق، وهكذا في جميع الأفعال، هو الآكل، وهو الشارب. فهو مسؤول عن جميع هذه الأشياء؛ لأن له اختيارا وله مشيئة، فهو مخير من هذه الحيثية؛ لأن الله أعطاه عقلا وإرادة ومشيئة وفعلا، فهو ميسر ومخير، مسير من جهة ما مضى من قدر الله، فعليه أن يراعي القدر فيقول: إنا لله وإنا إليْه راجعُون[14]، إذا أصابه شيء مما يكره، ويقول: قدر الله وما شاء فعل، يتعزى بقدر الله، وعليه أن يجاهد نفسه ويحاسبها بأداء ما أوجب الله، وبترك ما حرم الله، بأداء الأمانة، وبأداء الحقوق، وبالنصح لكل مسلم، فهو ميسر من جهة قدر الله، ومخير من جهة ما أعطاه الله من العقل والمشيئة والإرادة والاختيار، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار))، فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم: ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: فأما منْ أعْطى واتقى * وصدق بالْحُسْنى * فسنُيسرُهُ للْيُسْرى * وأما منْ بخل واسْتغْنى * وكذب بالْحُسْنى * فسنُيسرُهُ للْعُسْرى[15]. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على ما ذكرنا. والله ولي التوفيق