(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (الانبياء:1)
اية مستقلة من قرءان يقرأ وعقل يحتاج القرءان في زمن كثرت متاهاته حيث تكون الارض كلها (قرية صغيرة ..!!) في اعراف حضارة تتسارع وتسحق كل شيء الا عروش الحضارة فهي في مأمن كما يزعمون ولكن أمانهم ما نفع اساطين الحضارة فنهش السرطان اجسادهم وهم وسط جند مدجج بالسلاح ..
انه الموت ... آتي ... قريب ... ولكنهم عنه في غفلة معرضون ... قال القائلون (ما عاش ابن ءأدم يوما الا ونقص من عمره يوم) فهل الاعراض عن موت آتي ينجي الطاغي في يومه من طغيانه ...!! القرءان يجيب (وهم في غفلة معرضون) ..
لا يوجد عقل انساني لا يؤمن بالموت ..؟؟ هل يوجد انسان عاقل لا يعرف الموت ..؟؟ فكيف يكون الاعراض وكيف تكون الغفلة ..؟؟
(مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (الانبياء:2)
فكان لعبهم مدعاة لغفلتهم ... وعند غفلتهم معرضون ... فماذا يلعبون ... ففي الدنيا مباهجها وزينتها نسيان لذكر الموت ...
كان قد ناهز الستين من عمره وهو من اصول قروية فلاحية دفعته الدنيا الى حاضرة بغداد البراقة ففرض نفسه ضيفا على احد ارصفتها يبيع فسائل النخيل وهو لكبر سنه موطيء ثقة عشاق النخلة وشكله القروي جعلت من احد عشاق النخيل ان يجزل له العطاء في فسيلة نخل من نوع (برحي) والعاشق يؤكد عليه ان تكون برحية الصنف والقروي يؤكد بعنفوان اختصاصه انها فسيلة برحية ... وبعد بضع سنوات اثمرت النخلة بين يدي عاشقها واذا بها من صنف اخر وليس من صنف (برحي) فاستشاط العاشق غضبا وسارع الى ذلك القروي الضيف على رصيف بغدادي ليعاتبه بعنف فرد عليه القروي بهدوء (والله لم اكن ادري ان الفسيلة ستثمر وانا وانت وهي على قيد الحياة) فرد عليه العاشق وهل تريد الموت خلاصا من مسؤوليتك ... فرد عليه القروي قال لا ولكن لا احد يدري متى تنتهي اللعبة ... !!
يوم يعرف الانسان انه لا يمتلك الغد وان الموت قريب منه لأمسى واصبح مرهف الحس في لعبة لا يشارك فيها بل يتفرج عليها ومنها يأخذ الحكمة فتموت في نفسه شجرة الخلد فيصحو وتموت الغفلة .
لعبة الحياة تمركزت في حيازة الانسان وسطوته العقلية في الحيازة فهو يسعى لتوسيع حجم حاويته بدءا من نعومة اضفاره حريص على قبض كل شيء واستملاك كل شيء ويكبر وتكبر معه شجرة الخلد وملك لا يفنى وينسى انه يفنى كل يوم يعيشه في تلك اللعبة ..
انسان لا يشبع ... نهم في الملكية ولا حدود ..!! تلك هي لعبة الدنيا (اللاحدود) في الملكية واللاحدود في الخلد بالمال حتى عندما يبتني بيتا للعبادة (جامع) فانه قد يسميه باسمه وكأن الناس سيعبدون من ابتنى الجامع وينسى الله ونسي ان ربه يعلم من عد الدراهم ويعلم كيف اتت ..!!
ليست نصائح خطابية بل تحليل مواقف تسطر من ذكرى قرءانية .. فمن جعل الموت قريبا منه فقد فاز في رصانة ما بين يديه وهو القادر على التحكم بما اتاه الله وليس التحكم بما جنت يداه من مال او جاه ..
الناس يؤمنون باليوم الآخر ايمانا جسديا ولكن القرءان يؤكد ان اليوم الآخر يرتكز على العمل الصالح وكل فعل له يوم آخر والجسد لا يزال في الدنيا ... فمن يسرق له جزاء دنيوي (يوم آخر) ومن فسق ومن اجرم له يوم آخر في دنياه والله القائل
(قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (النمل:69)
نرى عاقبتهم (عقوبتهم) في يومهم الآخر وهما يومان (أول وآخر) ففي (الاول) عنفوان المجرم وفي (الآخر) عقوبة المجرم وفيه تكليف ايماني ان سيروا في الارض فانظروا (كيف كانت) عقوبتهم
لكي يؤمنوا باليوم الآخر .. وهو لن يكون حصرا في يوم القيامة بل في يوم تقوم قوانين الله بالرد على الظالم والمجرم والفاسق وكل خارج على سنن الله ... فمن كان مدينا لله فقط لا غير فعقابه عند ربه بعد الموت وهو في يومه (الآخر) ... ومن كان مدينا للخلق فعقابه في حاضرة الخلق وهو (يومه الآخر) ... ومن كان مدينا لربه وللناس ايضا فله عقوبتان واحدة بين يدي ربه يوم يكون قبالة ربه فردا بلا قوة واعوان وواحدة اخرى نراها في حياتنا (قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) ... و (كيف كان) هي علم كيفية (سبب ومسبب) ولكن الناس عن ذلك في غفلة لانهم لا يؤمنون باليوم الآخر قريبا والله القائل
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ
وقرءان فيه ذكرى ... عسى ان تنفع الذكرى