ربما يكون الاحتفال بعيد الحب مبرراً لدى تلك المجتمعات البعيدة عن نور الوحي،
التي تكتوي بقسوة الحياة المادية؛ حيث انقطعت الصلات الاجتماعية بين الناس،
وضعفت العلاقات الأسرية إن لم تكن اختفت من حياتهم، حتى انحصر الحب في تلك
الزاوية الضيقة التي لا تتجاوز في تلك المجتمعات العلاقة الجنسية المحرمة، أو
وردة حمراء مع شمعة تحترق وسرعان ما تنتهي معها تلك المشاعر.
أما أن تجد مظاهر الاحتفال بهذا العيد في المجتمعات الإسلامية فهو علامة على
جهل أبنائها، وقلة وعيهم، وعدم إدراكهم لمكانتهم ومنزلتهم وحقيقة دورهم في هذه
الحياة. ولا يخفى علينا جميعا أن لوسائل الإعلام العربية وما تبثه من سيل
الأفلام والأغاني والبرامج والمقابلات والفواصل والإعلانات دور كبير في تعزيز
مثل هذه المظاهر، دون النظر في العواقب والنتائج المترتبة على ذلك، مع تفشي
الجهل، والفراغ العاطفي، مما يهيئ بيئة خصبة لدى المراهقين – بشكل خاص –
للاحتفال بهذا العيد، فراراً من الواقع الذي يعيشونه.
نحن إذن بحاجة للثقافة والتربية الإسلامية في المدارس والجامعات والبيوت؛
لنرتقي بفهم أجيالنا، وتصورهم للحياة، وواجباتهم ومسؤولياتهم.
كلمة الحب التي قد ينظر لها بعض الناس بحساسية، ويحيطونها بسياج المنع والحظر،
علينا أن نضعها في مكانها الحقيقي والطبيعي، فالحب فطرة في النفوس، وهدي
الإسلام فيه معروف، وعلينا ألا نحصر دلالاتها في جانب دون آخر، فما هي محبة
الله؟ وكيف يمكن تحصيلها؟ وما ثمراتها؟ وما هي محبة المؤمنين؟ وما هي محبة الأم
لولدها؟ والأب لولده؟ والزوج لزوجته؟ وكيف يمكن تحصيلها؟.
إننا ننتقص من منزلة الحب بالاحتفال به في ذلك العيد المزعوم، علاوة على
التحريم الشرعي لمثل تلك المظاهر، التي أقل ما توصف به أنها تقليد ومشابهة
للكفار، ومع هذا فإننا بحاجة لنتخلص من القسوة والجفاء التي ورثها بعض الناس
وألفوها، حتى غدت هي الأصل عندهم، فقلما يُخرج الرجل من لسانه كلمة حنان
لأولاده وبناته، أو كلمة تشجيع وشكر لزوجه، حتى غدت القلوب ذابلة، والعواطف
ميتة، والبيوت قاسية كقسوة حجارتها. وتلك هي مدرسة القائل: أتُقَبِّلون
صبيانكم؟، كما في صحيح مسلم، لما قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقالوا: أتُقبِّلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم . فقالوا: لكنا، والله !
ما نُقَبِّل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأملك إن كان الله نزع منكم
الرحمة!".
نحن بحاجة للعيش في بيت النبوة؛ لننهل من معينه الصافي معاني الحب والمودة
والوفاء، دعونا نتعلم من ندائه صلى الله عليه وسلم لعائشة: يا عائش، دعونا
نتعلم من وفائه لخديجة رضي الله عنها بعد موتها وإحسانه لصديقاتها، وها هي
عائشة رضي الله عنها تقول: "كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه
وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ، وأتعرّق العرْق([1]) وأنا حائض ثم أناوله النبي
صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ"، هذا جانب من جوانب الحب في حياته
صلى الله عليه وسلم. أما عن تعامله مع أصحابه الكبار منهم والصغار حتى الأطفال،
بل حتى مع أعدائه فلا يتسع المجال لذكرها، ولكن المراد التنبيه على أهمية تربية
النشء وتعليمهم تلك المواقف والأخلاق والآداب قبل أن يصبح الحب في بيوتنا
ومجمعاتنا شمعة حمراء يذوب الحب مع ذوبانها.