الثلاثاء 3 نوفمبر - 12:54 أميره بكلمتي
الجنس :
عدد المساهمات : 8825
العمر : 31
| جاء رجل الى القريه..روعه القصه |
| جاء رجل إلى الــقرية
في تلك القرية الصغيرة التي يعيش أهلها البسطاء محافظين على عاداتهم وقيمهم ودينهم .. لا يتركون صلاتهم .. ولا ينسون فعل الخير .. يصلون الأرحام .. يتصدقون ويزكون بأموالــهم .
أنتقل للعيش فيها رجل من ديارً بعيدة .. هادئ الخلق .. كثير العلم .. كان يتجنب الأخرين في بداية الأمر إلى أن وطدوا علاقاتهم به من خلال تواجده الدائم في المسجد , أبدوا أحترامهم الشديد له .. رحبوا به .. وكان الجميع يقيمون حفل عشاء على شرفه , أعجبوا به بشدة لحنكته وعلمه الغزير في مجالات شتى , لا يتفلسف كثيرا .. يتكلم بالقليل المفيد .. لا يوجد سؤال ألا ويعرف له أجابه , الكل بلا استثناء ينشدون منه النصيحة .. أعتبروه حكيم قريتهـــم التي تخلو من حكماءها .
كل من أستمع لنصائحه نجح وحقق مراده .. كان عزيز في قوم ليسوا بقومه .. أرسلوا ابناءهم إليه لكي يعلمهم ويدرسهم من كنوز معرفته .. يستشيرونه في كل شيء .. في كل الأمور حتى أبسطها وأتفهها .. حينما يمشي في السكك يذهبون إليه لألقاء التحايا عليه ويشيدون بفكره .. كان كالأمير .. كالملك ..كسيد القوم .
ذات يوم جاء عثمان لزيارة قريته التي غادرها منذ زمن بحثا عن لقمة العيش , وكان معروف في القرية فهو من أحد أكبر العوائل فيها .. وكذلك يتذكرونه بسبب صوته الشجي فلقد كان قارئ للقرآن في صغره وصباه , راح يسأل ويستفسر عن أحوال مسقط رأسه ويسلم على أهلها ويزور رفاقه واقرباءه ويقرء القرآن في المسجد في بعض الليالي .
كان قد وصله خبر الرجل الحكيم الذي جاء إلى القرية وكيف أن الجميع يحترمه ويمتدحونه أمــــام عثمان ويشيدون بفكـــره , شعر بالفضول وببعض الغيرة لكثرة الحديث عنه وكيف سلب عقولــهم وأهوائهم فأراد رؤيته والتعرف عليه .
وبعد يومين كان عثمان خارج من المسجد فرأى أنــاس مجتمعين حول أحدهم يتحدثون معه ويسألونه ويستشيرونه في أمورهم , وحينما سأل : ما الخبر ؟ قالوا له : بأن هذا هو الرجل حكيم القرية ! أقترب منه ليرى هيئته وشكله وكيف يكون , أقترب .. وأقترب وما أن نظر إليه حتى أصابته الدهشة , يفكــر ويتمتم في ذاته : - كأنني رأيت هذا الرجل من قبل ؟ - ملامحه ليست غريبة ؟ - لكن , أيــن رأيته , ومن أين أعرفه ؟
ورغم كل تلك الأسئلة والتفكير ألا أن عثمان لم يستطع تذكره فغادر المكان , ولكن في الليلة التالية ولشدة تفكيره وهواجسه المستمرة علــم نهاية الأمــــر من يكون الرجل ! وأيــن تصادف معه ! وبسرعة ذهب إلى القــاعة التي يجتمع فيها كبار أهل القرية كل ليلة ودخل عليهم .. بينما كان الرجل يتوسط المجلس ويتكلم بالحكمة ويتناقش بالعلم ويحكي لـــهم قصص العباقرة والعظماء , عند ذاك قاطعه عثمـــان يناديه : - أنت يا هذا ..!
أجابه الرجل : - ماذا هنالك ؟
عثمان يريد أحراجه فقال له : - لما لا تخبرهم من أنت ؟
الرجل الذي كان متحيرا من كل الموقف , قال : - عما تتكلم ..!
عثمان : - هيا ..هيـــا , أخبرهم بحقيقتك !
الرجل : - وأي حقيقــة ؟
عثمان : - لا تخادع , أتظــن نفسك عالــم وحكيم وقد نسيت أصلك ومن تكون ؟
الرجل وكأنه فهم إلى ما يلمح به , أجابه بحـــرج : - لا أدري عمــا تتكلم !
عند ذاك قام أحد كبار المجلس قاطعهم يستفسر من عثمان عما يقول : - ما بك يا عثمـــان ؟
أجابه بعدما أشار على الرجل وقال أغرب أمر : - هذا الذي تظنونه فيلسوف عصره وتكنون له الأحترام وسلمت ابناءكم له .. ألـــم يخبركم بأنه لقيـــط ..!
كانت الصدمة قد ضربت كل المتواجديــن في القاعة .. وكأن قنبلة سقطت وسط المجلس جعلتهم يتوجهون بأنظارهم صوب الرجل مندهشين وقد بانت على وجوههم علامات التحقير له , فسأل أحد الكبار عثمان : - ماذا تقول أنت ؟ وكيف علمت بذلك ؟
عثمــان : - ذات مرة ذهبت مع أحد زملاء العمل إلى أحدى المدن في مهمة تخص الوظيفة فرأيت هذا الرجل هناك .. فأخبرني زميلي بأنه مجرد شخص لقيط .. الكل يطرده من مكان لآخر .. من مدينة إلى أخرى .. قرية بعد قرية .. الكل يستحقره .. لا أحد يتشرف به .. لا أحد ينظر إليه .. يعتبرونه كالقمــامة ومعهم حق في ذلك .. فماذا تنتظر من شخص لقيط ؟!
نظر بعض الوجهاء في القاعة إلى الرجل يسألونه عن صحة ما سمعوا , ألا أنه لــم يجبهم بشيء ولشدة الحـــرج من الموقف الذي تعرض له ظل يطالــع الأرض خجل من نفسه وأصله الحرام الذي لا يعرفه , لم يستطع التكلم أو قول شيء , وظلوا الحاضريــن يسألونه بحقـــارة : هل أنت لقيــــط ؟
بعد صمته الذي أستمر دقائــق قال لــهم بصوت لا يكاد يسمعه أحد : - نعـــم , أنني لقيط .. لست ألا شخص لقيط !
بدأوا يشتمونه ويسبونه ويعيرونه ويقولون له ما كان يسمعه منذ الصغــر .. ما كان يسمعه من الجميع .. ما كان يسمعه في كل مكان يذهب إليه , تطور الأمر حتى طردوه من القـــاعة وحذروه أن يغادر القرية وألا سيخرجونه منها بالقوة فلا يتشرفون بلقيط يعيش بينهم وينجسهم , ندموا كثيرا عن كل ما فعلوه له وكل الأحترام الذي قدموه له .
قام متثاقل وكأنه يحمل جبال فوق ظهره .. يمشي بخطوات ثقيلة جدا وكأن أغلال في قدميه وما أن وصل الباب حتى توقف , ظل متوقفــا والحاضرين ينظرون إليه .. أراد أن يتكلم .. أراد أن يصرخ .. أراد أن يصيح .. أراد أن يقول ويقــول .. ألا أنه لــم يقول , وبعد فترة الصمت تلك لم ينطق بشيء .. فلقد مــل التبرير .. مل استمالة عواطف الآخرين .. مل الشكوى .. مل ذنب لم يرتكبه .. مل كابوس يطارده .. مل الدنيا وما فيهــا , غادر مطأطـــأ الرأس يلعن حظه ويلعن المجتمــع ويلعن نظرات الآخرين ويلعن أمه وأبيه الذي لا يعرفه .. غادر بصمت ولم يلتفت .
حدث ضجيج بعد ذاك في المجلس .. والجميع راحوا يشكرون عثمان ويثنون عليه لأنه كشف لهم أمر اللقيط , ألا أن شيخ القرية وأمام مسجدها والذي كان شهمً صاحب حق لا يرضى بالظلــم فلم يعجبه ما حدث وشعر بالغضب لتصرف عثمــان وقام يوبخه : - ويحــك , لما فضحت الرجل ؟
عثمان : - هذه هي حقيقته .
الشيخ : - وأن كانت حقيقته ذلك لا يعطيك الحق بأن تفضحه , لما لم تحفظ ماء وجهه , لقد أحرجته وجرحته وأحرقت قلبه .. أحرقك الله في الجحيم !
غضب عثمان من شتيمته , فقال له : - أرجوك ..لا تسب , فأن كنت شيخا فلا تنسى بأنني قارئ للقرآن !
هز الشيخ بــرأسه وقال : - رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه .
هم بعدها بالمغادرة من المكان الذي شهــد ظلم لأنسان مسكين فلا يريد الجلوس فيه أكثر .. وقبل أن يخرج من البـــاب نظر إليهم وقال : - أنه لقيط بالفعــل , لكنه كان نــورً في الظلام .. نبيـــلً مع مجموعة أنـــذال .. عالـــمً ضاع بين جهال ..! | |
|