استكتام النكاح في الفقه الإسلامي
كثر وانتشر في الفترة الأخيرة بين المسلمين شيباً وشباناً إسرار النكاح وكتمانه، والحرص على ألا يعرف به أحد، من زوجة أو قريب، أو عن السلطات المختصة في حالة إذا ما تم العقد بين أطرافه ولم يوثقا العقد أمام الجهة المنوط بها، وقد ينظر في هذه الصورة على أنه لا شيء فيها شرعاً إذا استوفى العقد أركانه، أما مسألة إعلانه أو عدم إعلانه فتترك لتقدير طرفي العقد، وهذا في الحقيقة ليس صواباً، كما سنوضح، ونعرض في هذه المقالة للأسباب والدوافع الداعية إلى إسرار النكاح، ثم حكم استكتام النكاح شرعاً مع افتراض أن العقد استوفى الأركان والشروط ولكنه افتقد الإعلان أو حرص أطرافه على إخفائه·
وتكمن الأسباب الداعية إلى ذلك غالباً فيما يلي:
1 ـ الخشية من معرفة الغير بهذا الزواج، وقد يكون هذا الغير الزوجة الأولى للزوج إذا كان الزوج يتزوج بالثانية، حفاظاً منه على استمرار الزوجية بينه وبين الزوجة الأولى وكذا الثانية، ويكثر هذا خاصة في المجتمعات التي ترى من الزواج الثاني جريمة أو خيانة، وربما أدى معرفة الزوجة الأولى بهذا الزواج إلى مشاكل جسيمة، في الوقت الذي يرى الزوج أن زواجه بالثانية ضرورة من وجهة نظره·
وقد يكون هذا الغير أولاد الرجل الذين يريدون الحفاظ على التركة من زوجة ثانية تزاحم أمهم، أو من طفل يكون نتيجة للزواج الثاني، وربما كان هذا الغير عامة الناس خاصة إذا تزوج الرجل بمن لا تكافئه سناً أو نسباً أو ثقافة أو تديناً، فمن يتزوج بخادمة، أو سكرتيرة له أو نحو ذلك يحرص على إخفاء هذا الأمر وعدم إظهاره·
2 ـ التغلب على بعض القوانين والأنظمة التي تمنع الزواج من جنسيات معينة، أو لفترة محددة، أو تعلق دفع راتب أو معاش على عدم الزواج في حالة الأرملة، أو تمنع الزواج دون سن معينة، ففي مثل هذه الحالات المذكورة يلجأ طرفا العقد إلى إخفاء النكاح وإسراره منعاً من تعرضهم للمساءلة القانونية، أو حرمانهم من راتب أو معاش حكومي·
3 ـ عدم القدرة على نفقات النكاح ومصروفاته خاصة في ظل المغالاة في المهور وأجر الموثق الرسمي·
4 ـ تبرج المرأة ا لفاحش وسفورها واختلاطها بالرجال دون مراعاة الضوابط الشرعية مما يسعر الشهوة في كل من الرجل والمرأة في الوقت الذي يحول دون توثيق عقدهما وإشهاره موانع اجتماعية أو اقتصادية فيلجآن إلى الزواج السري الذي تعتريه كثير من المفاسد لإرواء الغريزة دون أن يتحملا نفقات الزواج·
هذه في الأغلب الدواعي والأسباب التي تدفع كلاً من الزوجين أو أسرتيهما لإخفاء النكاح، وقد تبدو بعض هذه الأسباب في الجملة مقنعة إلى حد ما لكن بالنظر إلى المفاسد المترتبة على إخفاء النكاح وكتمه، وإلى حكم الشرع فيه تتلاشى هذه الأسباب والدواعي وتنهار·
وهناك أدلة كثيرة منقولة ومعقولة تحث على إعلان النكاح وإظهاره والنهي عن استكتامه.
وقد ذكر أهل العلم أوجهاً لمنع كتمان النكاح، منها:
1- أن الاستسرار في النكاح ممنوع لمشابهته الزنى الذي يتواطأ عليه سراً، ولذلك شرع في الزواج ضرب من اللهو والوليمة لما في ذلك من الإعلان فيه.
2- نكاح السر من جنس اتخاذ الأخدان شبيه به، لا سيما إذا زوجت نفسها بلا ولي ولا شهود، وكتما ذلك، فهذا مثل الذي يتخذ صديقة .
3 ـ إعلان النكاح يتفق ومقاصد الشريعة الإسلامية التي تحافظ على الحقوق الزوجية وعلى النسل وبدون الإعلان قد تتعرض هذه الحقوق للهدر والضياع خاصة إذا تواطأ الشهود مع الزوج في إنكار الزوجية، وبالتالي ضياع نسب الأولاد وحقوق الزوجة وحرمانها من الميراث، كما أن مثل هذا المناخ لا يسمح بتربية الأولاد تربية صحيحة. 4ـ إعلان النكاح فيه حفظ لعرض الزوجين من أن تلوكه الألسنة فقد يرى الزوج والزوجة معاً أو يرى الزوج في بيت تلك المرأة فيقذفه هذا أو يسبه ذاك، فيمنع الإسرار بالنكاح سداً لهذه الذريعة·
5ـ النكاح السري غالباً ما يصاحبه اضطراب وقلق نفسي للزوجين خشية أن يشتهر ويعرف· وهو عكس ما يقصد من النكاح.
6ـ كتمان النكاح يصاحبه كثيراً من المفاسد الأخلاقية كالكذب، والتدليس، والتزوير وغيره، فيضطر الزوج إلى أن ينفي زواجه أمام زوجته الأولى أو أولاده أو أهل بلده، وقد يجر ذلك إلى جريمة الإجهاض وقطع النسل حتى لا يشتهر هذا النكاح بحمل المرأة، وفي ذلك ما فيه من مخالفة صريحة للكتاب والسنة وفيه مناقضة لمقصود الشارع من النكاح·
7ـ إن الأسباب التي تدعو الزوجين إلى إسرار النكاح تتهافت أمام المفاسد التي يجرها· ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ·
8 ـ لا يُراد في الغالب من كتمان النكاح غاية نبيلة فينظر إلى مآله فيمنع·
خطوة نحو العلاج
قد يبدي بعض الأزواج أسباباً معقولة في استكتامهم للنكاح وكذا المرأة ، وقد يكون لبعضهم العذر ، فثقافة بعض المجتمعات تصور الزواج الثاني على أنه خيانة ومهانة للزوجة الأولى، وذلك تأثراً بالثقافة الغربية المسيحية وتساعد قوانين الأسرة في كثير من الدول الإسلامية ـ للأسف الشديد على تزكية هذا المعنى وتقنينه ـ حتى أنه في بعض الأحوال لا تتأثر المرأة بالخليلة قدر تأثرها بالحليلة،·
ومن هنا يلزم درءاً للمفاسد المترتبة على كتمان النكاح وإسراره ما يلي:
1 ـ العمل على تغيير نظرة المجتمع المسلم للزواج الثاني، على أنه عمل مباح من قبل الزوج إذا ما التزم بالعدل بين زوجاته، وقام بحقوقهما على الوجه الأكمل بلا وكس ولا شطط، وذلك من خلال المؤسسات التربوية كالمسجد، والمدرسة، والمحاضرات، ووسائل الإعلام الإسلامية المختلفة·
2 ـ التعريف الكامل بفقه الأسرة لدى كل من الرجل والمرأة، فنادراً ما نجد زوجين قبل ارتباطهما قد تعلما هذا الفقه، ويحدث من الفساد والخلل والانهيار في الأسرة بسبب غياب هذا الفقه ما نراه ونسمعه في وسائل الإعلام المختلفة، فلا الزوج يعرف حقاً ولا واجباً وكذا المرأة، ويتركان التقاليد والثقافات والأعراف تغذيانهما تارة بالخرافات، وأخرى بالظلم، وثالثة بإحداث صراع بين الزوجين ويتناسى السكن والمودة والرحمة والألفة والمقاصد الشرعية للنكاح·
3 ـ تنقية قوانين الأسرة من الأحكام الجائرة المتأثرة بثقافة الغرب ورؤيته للأسرة·
4 ـ إشاعة العفة في المجتمع، وتنقية وسائل الإعلام المختلفة من مظاهر الفساد والانحلال، وكذا تنقية المؤسسات التعليمية من فساد التبرج والاختلاط الفاحش·
5 ـ تيسير الزواج للراغبين فيه، وعدم المغالاة في نفقاته، فخير النساء أيسرهن مهوراً، والتقليل من مظاهر البذخ والإسراف التي أصبحت ملازمة للزواج، وترهق الأثرياء فضلاً عن الفقراء حتى أننا نجد الدول الثرية في العالم الإسلامي هي الأكثر شكوى من نفقات الزواج الباهظة، وذلك مما يؤدي إلى تأخر سن الزواج لدى الشاب والفتاة، مما يؤدي إلى مفاسد وجرائم تمس العرض والشرف، أو يلجأ الطرفان إلى استكتام النكاح حتى لا يعرف به أحد،
وأخيراً نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ أعراضنا وأن ييسر للمسلمين سبل العفة ، وأن يوفق القائمين على أمورنا لتنقية نظمنا من الشوائب التي تمنع الحلال أو تعقده