علمونا البيت القائل :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهِ السفن!
لكن لم يعلمونا أبيات الشعر القائلة :
تجري الرياح كما تجري سفينتنا
نحنُ الرياحُ ونحنُ البحرُ والسفن
ُ
إن الذي يرتجي شيئاً بهمتهِ
يلقاهُ لو حاربتهُ الإنسُ والجن
ُ
فاقصد إلى قممِ الأشياءِ تدركها
تجري الرياح كما رادت لها سفنُ!
(الأول يدعو إلى الرضا بالواقع
والآخر يدعو إلى صناعة الواقع)
يقول الأستاذ مجاهد مأمون
انتبهت ذات يوم وأنا أقود سيارتي إلى واحدة من القواعد النفسية والأخلاقية العامة التي يشترك فيها أكثر الناس :
إذا حجزتني سيارة بطيئة أمامي
قلت: يا لهذا السائق البليد!
وإذا تجاوزتني سيارة مسرعة من ورائي
قلت: يا له من سائق متهور!
إننا نعتبر أنفسنا "النموذج" الذي يُقاس عليه سائر الناس، فمن زاد علينا فهو من أهل الإفراط ومن نقص عنا فهو من أهل التفريط، إذا وجدتَ من ينفق إنفاقك فهو معتدل كريم، فإذا زاد فهو مسرف وإذا نقص فهو بخيل،
ومَن يملك جرأتك في مواقف الخطر فهو عاقل شجاع ، فإذا زاد فهو متهور وإذا نقص فهو جبان.
وبما أننا جميعاً نرتفع وننخفض ونتقدم ونتأخر ونتغير بين وقت ووقت وبين عمر وعمر ، فإن هذا المقياس يتغير باستمرار.
* نصل من تلك الملاحظات إلى قاعدة مهمة من قواعد الحسبة :
إياك أن تظن أن مقياس الصواب في الدنيا ومقياس الصلاح في الدين هو الحالة التي أنت عليها والتي أنت راض عنها، فرُبّ وقت مضى رضيتَ فيه من نفسك ما لا ترضاه اليوم من غيرك من الناس.