عبر تسعة عشر بطولة لكأس العالم شاركت فيها عشرات المنتخبات ، كان التاريخ على موعد مع القليل منها الذي سطر اسمه بحروف ذهبية ستظل خالدة ويتحدث الجميع عنها وعن إنجازاتها حتى لو لم يرونها ، لكن تكفي أرقامها المبهرة لتؤكد على روعة هذا المنتخب أو ذاك.
ومن ضمن المنتخبات التي فرضت اسمها في تاريخ كأس العالم ، منتخب تألق في دورة واحدة فقط ولكنها كانت كافية بتخليد اسمه بشكل ليس له نظير.. إنه المنتخب المجري.
والحديث بالطبع عن المنتخب المجري الذي شارك في بطولة كأس العالم 1954 والذي كان يلقب حينها بمنتخب أسياد العالم من فرط قوته الهجومية الغاشمة ، والفائز بلقب الدورة الأوليمبية في هلسنكي 1952 وكان فريقاً مرعباً بكل معاني الكلمة بتواجد أحد عباقرة كرة القدم وعظمائها على مر العصور وهو الرائد بوشكاش ومعه كوكبة نجوم من عينة هيديكوتي وكوشتيش هداف البطولة.
ورغم عدم فوز المنتخب المجري بتلك البطولة إلا أنها تعتبر من المرات القلائل التي يمكن القول فيها إن كأس العالم هو من خسر منتخبا بعدم تتويجه بالبطولة ، فالمجر قدمت في تلك النسخة مستوى قارب المثالية في كل شيء.
حققت المجر نتائج مبهرة وعريضة أمام منتخبات كبيرة وقدمت أداء ساحراً وسلساً باتباع طريقة المثلثات التي اخترعتها المجر بالتمريرات القصيرة على الأرض بين لاعبين أو أكثر بما يشبه شكل مثلث ثم تمرير كرات طويلة عميقة متقنة.
كان شوار المجر في البطولة عبارة عن سلسلة من الانتصارات المتتالية الكاسحة لمنافسيه، فبدأ بقص شريط العرض الافتتاحي بالتهام كوريا الجنوبية (9-0) دون رأفة ، ثم قهر المنتخب الألماني بنتيجة هي الأكبر بل بمثابة الفضيحة في تاريخ الماكينات الألمانية وهي (8-3).
صعدت المجر بعد ذلك إلى الدور التالي وواجهت المنتخب البرازيلي القوي الذي حضر البطولة وكله تصميم على الفوز بها لإسعاد شعبه المصدوم من خسارة نهائي البطولة السابقة على أرضه، ولكن السيليساو اضطر لأن ينحني قسراً أمام المنتخب المجري الذي فاز عليه بنتيجة عريضة (4-2) في مباراة عنيفة تحولت لساحة عراك وملاكمة طوال وقتها وحتى بعد انتهائها.
وواجه المجر في الدور قبل النهائي منتخبا لاتينيا آخر هو أوروجواي بطل النسخة السابقة ولأول مرة يفوز المنتخب المجري بصعوبة وبعد وقت إضافي بنتيجة (4-2)، ليصعد إلى المباراة النهائية ويواجه أحد ضحاياه في الدور الأول، وهو المنتخب الألماني.
وظن العالم أن فوز المجر باللقب بات محسوماً عطفاً على نتيجة الدور الأول. وتضاعف ذلك الشعور بعد مضي 8 دقائق من عمر المباراة، حيث استقبلت خلالها الشباك الألمانية هدفين من المجر. لكن الماكينات الألمانية استطاعت معادلة النتيجة قبل نهاية الشوط الأول وسط ذهول الحضور.
وظلت النتيجة على حالها في الشوط الثاني ، ولكن قبل نهايته بدقائق تمكنت ألمانيا من تسجيل هدف التقدم والفوز بالمباراة والبطولة ، ليعيش لاعبو المنتخب المجري كابوساً بعد تبخر ثقتهم في قدراتهم.
ولفرط الصدمة ، وجهت المجر اتهامات للحكم بالتأثير على نتيجة المباراة بعدم احتساب هدف صحيح لهيديكوتي ، بل تعدت إلى درجة اتهام لاعبي المانشافت بتجرع منشطات بحجة أن مستواهم في النهائي مغاير 360 درجة لمستواهم في مباراة الدور الأول.
وبغض النظر عن الاتهامات وأحقية ومستوى وفارق القدرات الذي كان يصب في مصلحة المنتخب المجري، خرجت المجر من البطولة وهي شبه منتصرة بحديث العالم عن خسارتها بدلاً من الحديث عن فوز ألمانيا.
وتمكنت المجر من تدوين اسمها بكل شموخ في تاريخ المونديال عبر مشاركتها في تلك البطولة ، بعدما استطاعت تسجيل 27 هدفاً في البطولة ، وهو أعلى رصيد أهداف استطاع أي منتخب مشارك في كأس العالم تسجيله في بطولة واحدة.
وحتى عمالقة الكرة مثل البرازيل بأجيالها الذهبية والأرجنتين بلاعبيها العظام وألمانيا وهولندا وغيرهم من كبار المنتخبات والحاصلين عليها عدة مرات لم يستطع أي منهم كسر ذلك الرقم التهديفي القياسي لمنتخب المجر.
كما سجل المنتخب المجري بالتبعية أعلى متوسط تهديفي لمنتخب مشارك في كأس العالم عبر مبارياته في بطولة واحدة وهو 5.4 أهداف لكل مباراة ، وهو رقم يدل على هجوم مجري كاسح استطاع تحطيم دفاعات أقوى المنتخبات بكل سهولة وأريحية.