بــــــــراءة إبليــــــــس
التقى بها ذات يوم ولم يكن يعلم أن فستانها نسج من حميم وغساق وصديد وزقوم....
تبادلا تحية عصرهم آنذاك , وما كانت تحيتهم إلا من إفرازات الجحيم
ووافق شن طبقة , تبلل برهما بدموع التماسيح , ولعمرك كانت للتماسيح دموعا ....
وتحت طيات الشمس والقمر جرت بينهما الكيات من الكلمات الممزوجة المهجنة , تارة بنار ذات جمر , وأخرى بطحن رحى أشد صلابة من دق الصخر...
تحمل الكثير ابنه وقد نفد صبره
*- يا أبتي لما الناس يلعنونك , صباحا مساء , ضحى وعشية , حتى وهم نيام..؟
*- أرأيت بنـــي كم هم لي ظالمون؟ جاحدون , منكرون ؟ إني لم أسئ لأحد منهم أبدا...وهم لي دوما مسيئون, ينظرون إلي أني خصمهم ..
*- أنت..؟؟؟؟ أنت أبتي تقول هذا ؟ أنسيت من أنت..؟
*- لا لم أنس , بل هم من نسوا من أنا....؟؟؟؟؟
*- كفى سخرية واستخفافا بي , واستقم؟
*- أتكذب أباك وتفند اقواله , وتعيب عليه أفعاله ؟ طيب صباحا أنا وإياك على موعد , هناك ترى من هو على صواب , ومن هو على خطأ...
وفي السوق – وما أدراك ما السوق ورواده ...غوغاء..ضوضاء.. صخب وشحناء.. جعجعة دون طحين .. هذا يحلف كذبا , وذاك يجرف ربا , وآخرون يرفعون قميص عثمان, وقليل منهم من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ..
وفي الموعد كان إبليس وابنه يراقبان , وفجأة أشار الأب بيده لإبنه صوب مجموعة من [ القلل[ , يبدو أنها ملئت عسلا وإذا بأحد المستضعفين البائسين يستغيث صاحب القلل , طالبا منه جرعة من العسل لعلها تشفيه مما يعانيه من سقم , غير أن البائع هذا رفض وامتنع , وهذا المسكين يراوده ويتوسل إليه ..
التفت إبليس نحو إبنه وقال
*- أرأيت ..؟
هز الإبن بمنكبيه وأومأ برأسه وقال
*- نعم , لا رحمة في قلب هذا البائع,
ما كان من إبليس إلا أن امسك بيد ابنه وخاطبه
*- تعال أنظر ولا تحدث خبرا ..؟
مشى الإثنان شطر البائع ...توقفا على قرب أدنى من القلل , وإذا بأحد المارين يقع عليها , فتهشمت فوجد المستغيث الفرصة فراح يلعق دون هوادة من عسلها .. بينما أمسك البائع بخناق ذاك الذي وقع , وببذاءة لسان وما في قواميس الفحش من الكلام أسمعه الكثير الكثير .. وحين شبع المستغيث وارتوى بطنه مما شرب اعتدل في وقوفه وقال
*- العنا الشيطان...ظ العنا الشيطان ...؟
رمق إبليس ابنه بنظرة ثاقبة وقال
*- أرأيت الآن .. يسرت له تناول العسل فكان جزائي ما علمت , إني يا بني عرقلت سير ذاك الرجل المار ليسقط على القلل فتتكسر فيتسنى للمسكين أن يأخذ منه ما بدا وتوفر .. فكان منه ما كان..
لوى إبليس ساعد ابنه وجره بعيدا عن السوق
*- كان الأجدر بهؤلاء البشر أن يقولوا كما جاء عن رسولهم – لا حول ولا قوة إلا بالله - بها تخمد جمرة الغضب وبها يزول اللوم والنصب ...
بها تحل وتعم رحمة الرب , أما وأن اخذت بناصيتهم الدنيا فعبدوها , وحكموا فيما بينهم شريعة البهائم والدواب لستَ تراني قائلا إلا الحق
(( ....إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما اشركتموني من قبل إن
الظالمين لهم عذاب أليم...))
نعم بني هؤلاء ممن رأيت منهم في زمننا هذا السواد الأعظم واعلم أنني منهم برئ, فقد قال الحق سبحانه وتعالى(( وإذا زين لهم الشيطان أعمالهم
وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون إني اخاف الله والله شديد العقاب))
*- أبتي ألك من توبة ؟ ألك من عودة إلى الله وصراطه المستقيم ..؟
*- بني جادلت الله وفسقت عن أمره وطلبت منه أن يمهلني إلى يوم الدين فأمهلني , لكني توعدت عباده بأن اغوينهم أجمعين إلا المخلصين منهم , الذين قالوا ((.. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا .....)) هؤلاء ليس لي عليهم من سلطان
أللهم اهدنا فيمن هديت , وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ...
إبراهيم تايحي