...وقال القاضي لرجل من الماضي:
*- سألتك بالله إن كنتُ محقا أنصفني.؟ وإن أنت رأيت مني جنوحا فمن جريدة الورى أحذفني...؟
*- أطرح وأفصح ؟ أوجز ووضح؟ لا تكشف ولا تجرح...؟
*- بلى – والذي ملّكك أمرالناس , ونصّبك على عرش العدل , وجعلك فيه القلب , إني امرؤ ذو كبد وإحساس.
*- هات ما في سريرتك ولا تضرب الدفوف ولا تدق الأجراس ...؟
*- نعم نحن إثنان ..توأمان , هكذا كنا ولا زلنا بإذن الرحمن ..
نحن غصنان من أغصان شجرة الزيتون دوما أخضران..
نحن إثنان عشنا ونعيشا بقلب واحد متقاربان , في ظن الآخرين قلبان متنافران..
نحن إثنان نهللا ثم نقبلا..بالصبر تسربلنا, وبحبرالودَّ تبادلنا , أغلقنا أبواب الريب وجافينا كل ما فيه عار وعيب..بالله تمسكنا وعليه توكلنا فلمَّا رأى منا القوم هذا قالوا:ما كان أبانا امرؤ سوء وما كانت أمنا بغيا ...؟
يا قاض هل جئنا شيئا فريا..؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
وطال الصمت. صمتَ القاضي سكوتا , يده على سطح المنبر تنقر , ثم تململ قليلا ومال يمينا وشمالا ينظر وينظر , يرجع البصر كرتين , لعل أحدا من معاونيه يسقيه , يستفتيه في الرجل وما قال... لا أحد استطاع الفصل في أمر كهذا إنه أمر جلل, وراح القاضي يجفف ما علا جبينه من قطرات العرق , أيقضي بالعدل والصدق؟ أم ينحر الضحية والحب يُقبر...؟
لكنه القاضي.؟ الذي إذا نطق لا يرد له قول ولا ممن حضر يعارض ويقاضي ...الكل محموم.. مهموم.. مرغوم...
عجبا أمرُ هذا القلب المكلوم.
أجل هوذاك ما دار في عقل القاضي ..
*- أدنو مني واسمعني , سأسقيك همسا هل أنت تفهمني ..؟
*- بلى سيدي طمإني وأرحني وأزل الغشاوة وأبعدها عني..؟
*- ما أنت فاعل بعد الهزيع الأخير من الليل ..؟
*- تضرعا وركوعا ثم أرقب فجرا يمحق نبات وبنات الويل ...
*- إذن فزكاة وسلام عليكما ... اذهب وعن عيني لا تغب إلى حين..
يومها مني يأتيك نبأ عظيم, يسر كل من آمن بالله رب العالمين.
به تُزاح الكدرة, وتعم الأنوار , وفيه تتجلى آيات الصابرين ويهنأ كل قلب حزين محتار
إبراهيم تايحي