من منظور شرعي
الحماة، أو ما يقال عنها "العمة"، كلمة أُسيء فهمها في معظم المجتمعات، فظلت هذه الحماة المسكينة أسيرة سوء الفهم. ونسمع يومياً عنها أمثالاً وقصصاً تشوه مكانتها في الأسرة، فمهما فعلت هذه الحماة وقدمت من جميل تظل في نظر الناس وبالأخص زوجة الابن الإنسانة المتسلطة وصاحبة المؤامرات والمشاكل. لقد تناست معظم الزوجات بأن هذه الإنسانة قبل أن تكون حماة فهي أم، وستدور الأيام وتمر السنوات وستكون هذه الزوجة في مكانها وتعاني كما عانت حماتها، لذلك يتطلب الأمر إلقاء مزيد من الضوء على هذه الصورة المتعلقة بالحماة لنتعرف على حقيقة المسألة.
إن الحماة نعمة في حياة الزوجة قبل أن تكون نقمة، ولو أدركت الزوجة كيف تتعامل معها بأسلوب ذكي فإنها ستكسب حبها واحترامها، ولا بد من حين لآخر أن يتدخل الزوج ويحاول توطيد العلاقة بين والدته وزوجته حتى تستمر حياته الزوجية بسلام وأمان دون أي مشاكل، وإذا وقعت المشاكل بين الاثنين فالحل ليس بيد الزوجة أو بيد الحماة وإنما بيد الزوج، فإذا وقف بجانب زوجته خسر أمه، وإذا وقف بجانب أمه خسر زوجته، والأنسب هنا اتباع الذكاء الاجتماعي وتلطيف الأجواء بقليل من الكلمات المعسولة للطرفين.
علاقة الزوجة بأم زوجها هي من أكثر العلاقات الإنسانية التي أسيء فهمها، بل إنها حوربت من خلال الأمثال وحتى الطرائف، ومن قبل وسائل الإعلام المختلفة لا سيما المرئية منها فلا تكاد الحماة تذكر سواء في الأفلام أو المسلسلات وبخاصة العربية، حتى تذكر معها المؤامرات والمقالب والمكائد والحسد، بل وحتى السحر والشعوذة، واستقر في أذهان الناس أن المقبل على الزواج إنما يقبل على معركة مع أم الزوج أو الزوجة.
علاقتة الحماة وزوجة الابن، ليست علاقة وفاق على مر التاريخ، وفي الغالب إذا ما كانت الكنة طيبة تكون الحماة شريرة، والعكس صحيح، فإن هكذا صراعات غالباً ما انتهت إلى الطلاق، لأن كثيراً من الرجال يتعب من هذا الصراع، فهو لقلة خبرته ووعيه لا يستطيع الإمساك بزمام الأمور، فيهرب بالتخلص من الزوجة وطلاقها.
إن إنهاء المشكلة الأزلية بين الحماة والكنة يعود إلى الرجل وشخصيته، بحيث أنه بالحكمة والعقل وقوة الشخصية يفرض وجوده على الأم والزوجة وليعيش مرتاح البال. وفي الأمثال الشعبية: مثل (لا بد يا كنة تصيري حماة)، وكأن هذا المثل يقول: يا أيتها المتزاحمتان على قلب هذا المسكين وماله: رفقاً به ثم رفقاً، ولتفكر كل منكما في وضعها لو كانت إحداكما موضع الأخرى. تذكري أيتها الحماة أنك كنت في يوم من الأيام زوجة ابن، ولك حماة، وفكري في شعورك إذ ذاك نحو زوجك ونحو حماتك، وأنك كنت تكرهينها إن حاولت خطف قلب زوجك، فخففي من حدة الحكم على زوجة ابنك، وتحملي تصرفاتها.
واعلمي أيتها الزوجة أنك ستصيرين بعد فترة من الزمن أُمّا لولد سيكون زوجا، وستكونين حماة، ففكري كيف تتصرفين وكيف يكون موقفك من قلب ابنك وقلب زوجته، فلينظر كل منكما إلى هذه الأوضاع حتى تقترب مشاعركما، وحتى تمكنا ذلك الرجل المسكين من السير في طريقه الوعر الطويل.
قالت أم كلثوم بنت عقبة، وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً وينمى خيراً، ولم أسمعه يُرخِّص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. رواه البخاري ومسلم.
قال الحافظ في الفتح: قال الطبري: ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح، وقالوا: إن الثلاث المذكورة كالمثال، وقالوا: الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة أو ما ليس فيه مصلحة. وقال آخرون: لا يجوز الكذب في شيء مطلقا، وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض كمن يقول للظالم: دعوت لك أمس، وهو يريد قوله: اللهم اغفر للمسلمين. ويَعِد امرأته بعطية شيء، ويريد إن قدر الله ذلك، وأن يظهر من نفسه قوة. فهذا مما راعته الشريعة الغرّاء لما يترتب عليه من المصلحة فالشريعة لم تُهمل حتى حديث الرجل مع امرأته، أو حديث المرأة مع زوجها. ولذا قال عليه الصلاة والسلام: من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وهو صحيح. والثناء على المُحسن من حُسن المكافأة، ومِن مُقابلة الإحسان بالإحسان.
إن بعض الناس يسمع لزوجته، ويلبي مطالبها ويسعى لمرضاتها، وهذا حسن، ولكنه يسيء إلى أمه، فيهملها ولا يسأل عنها، ولا يجلس معها، وربما يسمع ما يقال فيها من قِبَل زوجته وأولاده فيغضب عليها ويتمنى فراقها، وهذا من أعظم العقوق والعياذ بالله، بل الواجب أن يسعى الإنسان إلى إرضاء والدته ولو غضب كل الناس، عليك أيها المسلم أن تمنع أولادك من أذية أمك بقول أو فعل، وألا تقبل بحال من الأحوال شكوى زوجتك نحو أمك، بل عليك بحض زوجتك على احترام أمك والصبر على ما قد يصدر منها، فإن في ذلك خيراً كثيراً وبراً وفيراً.
لماذا تحب الحماة زوج ابنتها وتكره زوجة ابنها؟ بعض علماء النفس يرون أن: زوج البنت عادة ما يدخل العائلة وينضم إليها ويصبح فرداً من أفرادها بسبب كثرة زياراته لبيت خطيبته أثناء الخطوبة، فتتوطد علاقته بهم فتعتبر الحماة زوج ابنتها ابناً لها يعوضها عن ابنها إذا لم يكن لها ابن أو إذا تزوج ابنها وأصبح له عالمه الخاص. وعموماً فهذا الأمر ليس قاعدة، لكن احتمال أن يكون حب الحماة لزوج الابنة أكثر من حبها لزوجة الابن بسبب الغيرة، فالمرأة عادة تغار فتشعر أن زوجة ابنها قد شاركتها في ملكيته أو انتزعت منها اختصاصها في السيطرة على ابنها، فيحدث تنافس بينها وبين زوجة الابن، خصوصاً أن الحماة تعتبر ابنها راعي أسرتها وقد يكون المسؤول عنها مادياً، وقد يأخذ دور الأب فيمثل حماية لها وتشعر بأنها تفقد كل هذا. أما بالنسبة إلى ابنتها، فلا تأخذ هذه الأدوار، بل إن الأم تتمنى زواج ابنتها لذلك تسعد بزوج ابنتها وتوطد علاقتها به، لكن الحماة الناضجة السوية المتزنة عقلياً ونفسياً تستطيع أن تسمو بمشاعرها وتحولها إلى مشاعر ايجابية سواءً مع زوجة الابن أو زوج الابنة.
ليس في الحياة سعادة تفوق سعادة الإنسان في بيته، ولا شقاء يعدل شقاءه مع أهله، فمن كان في بيته سعيداً عاش مع الناس سعيداً، ومن كان في بيته منغصاً يفقد الهدوء النفسي عاش مع الناس سيئ الخلق متبرماً بهم، ضيق الصدر في معاملتهم