قميص الذكريات
رشاد رداد
( سلمحوني يا اصدقائي اني اعيش بعدكم )
ف. هيجو
بينما كان نمل اصابعي يفلي رأس ذكرياتي الموجعة ، تعثرت عيناي ببقايا قمر مكسور حاولت لملمته بين كففي الراعشتين ، لكن الخسارة كانت فادحة ، واليوم اصبحت اكثر فداحة ، من قبل،
بعد هذا الانحسار المخيف للعلاقات بين البشر ، لقد جفت حقول الصداقة ، واحترقت آخر سفن المحبة في بحر زائف .
كل هذا وأنا أتلمس شجرته المحببة الوحيدة التي كان يخشى عليها من رائحة الاسمنت .. ضحكاته امتصتها جدران الازقة المنقوعة بالمياه ، لتؤنس المتعبين العائدين الى بيوتهم آخر الليل .
كانت له نجمة تضيء نافذته كل ليلة ، وفجأة غاب الضوء عن النافذة المرتبكة اذ قررت ان تسير في مدار آخر لتنكسر وتهوي في بئر الخطيئة ..
لم نعرف سر توهجه فينا وموته ، لم نودعه قبل ان ينام على خشب الغياب وفي صدره حصان وقمر وسيف ودفاتر خضراء .
سيبقى صداه في خواء رؤسنا ، اتذكره ذات ظهيرة وهو يهتف في مظاهرة صغيرة ، كان صعلوكاً لطيفا ، بشوشا كأبي ذر، وكم كانت اسماء تحبه قبل الطعنة المفاجئة ، اوقفتني ذات مرة وهي تسألني بصوت مرتجف أين هو ؟ وكيف اختلط لجين دمعها بغبار الذكريات ، ألصقتُ بسمة باهتة على فمي وقلت لها : سيعود سيعود .
رغم الفقر اراك تزورني ، تمسكني من يدي كعادتك وتقودني نحو شجرتك ، التي اورثتني اياها..لكنها ماتت أحزنًا عليك أم قتلتها رائحة الاسمنت ..!
لم يترك لنا سوى اوراق وزجاجات عطر .. وصورة علقتها على جدار الغرفة ، ومفتاح صندوق بريده.. ومقاهي وأزقة تحتفل به كل ليلة ، لكن الموتى لا يعودون ، كل ما بقي من ورده المقطوف على طاولة الالم اطفأ في قلبي كل رغبة للحياة. ولا شيء غير حبر جريدة الذكريات المدلوق على طاولة الزمان ينزل نقطة نقطة راسمًا على الأرض المتشققة لوحة تشكيلية يصعب تفسيرها .