بســــــــمـ اللــــه الــرحمـــن الــــرحيـــمـ
خرافة عوج بن عوق . أو بن عنق
ومن الإسرائيليات الظاهرة البطلان ، التي ولِعَ بذكرها بعض المفسرين والأخباريين ، عند ذكر الجبارين : قصة عوج بن عوق ، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع ، وأنه كان يمسك الحوت ، فيشويه في عين الشمس ، وأن طوفان نوح لم يصل إلى ركبتيه ، وأنه امتنع عن ركوب السفينة مع نوح ، وأن موسى كان طوله عشرة أذرع وعصاه عشرة أذرع ، ووثب في الهواء عشرة أذرع ، فأصاب كعب عوج فقتله ، فكان جسرًا لأهل النيل سنة إلى نحو ذلك من الخرافات ، والأباطيل التي تصادم العقل والنقل ، وتخالف سنن الله في الخليقة ، ولا أدري كيف يتفق هذا الباطل ، هو وقول الله تبارك وتعالى : {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ، قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}.
اللهم إلا إذا كان عوج أطول من جبال الأرض!!
فمن تلك الرويات الباطلة المخترعة : ما رواه ابن جرير بسنده عن أسباط ، عن السدي ، في قصة ذكرها من أمر موسى وبني إسرائيل وبعث موسى النقباء الاثني عشر
وفيها : فلقيهم رجل من الجبارين يقال له : عوج ، فأخذ الاثني عشر فجعلهم في حجزته ، وعلى رأسه حملة حطب ، وانطلق بهم إلى امرأته ، فقال : انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا ، فطرحهم بين يديها ، فقال : ألا أطحنهم برجلي ؟ فقالت امرأته : بل خلِّ عنهم ، حتى يخبروا قومهم بما رأوا ، ففعل ذلك ، وكذلك ذكر مثل هذا وأشنع منه غير ابن جرير والسيوطي بعض المفسرين ، والقصصيين وهي كما قال ابن قتيبة : أحاديث خرافة ، كانت مشهورة في الجاهلية ، ألصقت بالحديث بقصد الإفساد.
وإليك ما ذكره الإمام الحافظ الناقد ابن كثير في تفسيره ، قال : وقد ذكر كثير من المفسرين ههنا أخبارا من وضع بني إسرائيل ، في عظمة خلق هؤلاء الجبارين ، وأن منهم عوج بن عنق بنت آدم عليه السلام ، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا ، وثلث ذراع ، تحرير الحساب ، وهذا شيء يستحيى من ذكره ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله خلق آدم ، وطوله ستون ذراعا ، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن" ، ثم ذكروا : أن هذا الرجل كان كافرًا ، وأنه كان ولد زانية ، وأنه امتنع من ركوب سفينة نوح ، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبتيه ، وهذا كذب وافتراء ؛ فإن الله تعالى ذكر أن نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين ، فقال : {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} ، وقال تعالى : {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ} ، وقال تعالى : {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِم} ، وإذا كان ابن نوحٍ الكافرُ غرق ، فكيف يبقى عوج بن عنق ، وهو كافر ، وولد زاينة ؟! هذا لا يسوغ في عقل ، ولا شرع ، ثم في وجود رجل يقال له : عوج ابن عنق نظر ، والله أعلم.
وقال العلامة ابن قيم الجوزية ، بعد أن ذكر حديث عوج : "وليس العجب من جرأة من وضع هذا الحديث ، وكذب على الله ، وإنما العجب ممن يدخل هذا في كتب العلم
من التفسير وغيره ، فكل ذلك من وضْع زنادقة أهل الكتاب الذين قصدوا الاستهزاء ، والسخرية بالرسل وأتباعهم ، أقول : وسواء أكان عوج بن عوق شخصية وجدت حقيقة ، أو شخصية خيالية : فالذي ننكره هو : ما أضفوه عليه من صفات وما حاكوه حوله من أثواب الزور والكذب والتجرؤ على أن يفسر كتاب الله بهذا الهراء ، وليس في نص القرآن ما يشير إلى ما حكوه وذكروه ، ولو من بعد ، أو على وجه الاحتمال ، ثم أين زمن نوح من زمن موسى عليهما السلام وما يدل عليه آية : {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا} كان في زمن موسى قطعًا ، ولا مرية في هذا فهل طالت الحياة بعوق حتى زمن موسى ؟! بل قالوا : إن موسى هو الذي قتله ، ألا لعن الله اليهود ، فكم من علم أفسدوا ، وكم من خرافات وأباطيل وضعوا