العقيد معمر القذافي

وكان القذافي أول من طرد الفلسطينيين قبل أربع من السنوات من أراضى ليبيا ها هو الآن يطرح في ذكرى إعلان الجماهيرية يوم السبت الموافق 2 مارس 2002 أمام مؤتمر الشعب العام الليبي ما سماه "الكتاب الأبيض" لحل مشكلة الشرق الأوسط، ويرتكز على عودة نحو سبعة ملايين فلسطيني ونزع أسلحة الدمار الشامل وإجراء انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة على أن يعترف العرب بتلك الدولة بعد ذلك بغض النظر عمن يحكم فيها.
يأتي ذلك عقب أيام قليلة من إعلان ولى العهد السعودي الأمير عبد الله مبادرة للسلام في الشرق الأوسط تدعو إلى انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي العربية المحتلة في العام 1967 مقابل تطبيع عربي مع إسرائيل.
كما هاجم القذافي العرب واصفاً إياهم بالحقارة ومتمنيا لهم الموت والاندثار وهاجم الجامعة العربية معتبرا أنها مهزلة وعار على الأمة ودعا المؤتمرات الشعبية إلى دراسة انسحاب الجماهيرية من الجامعة العربية.
وفي أواخر التسعينيات بدأ القذافي في التوجه نحو القارة الإفريقية ودعا إلى نظرية المجال الحيوي حيث رفض أن يكون العالم العربي مجالا حيويا قائما بذاته لأن معظم العرب في نظره يسكنون في شمال أفريقيا وأن مجالهم الحيوي هو القارة الإفريقية وليس التكامل مع الجزء الآسيوي من العالم العربي.

مولده ونشأته
ولد معمر القذافي في 1942 في أحد مناطق البدو القريبة من مدينة سرت ونسب نفسه إلى قبيلة القذاذفة بينما تنتمي عائلته إلى قبيلة صغيرة هى البربر المستعربين. وفي صباه درس بمدرسة ابتدائية إسلامية في الوقت الذي وقعت فيه أحداث هامة في العالم العربي من أهمها هزيمة العرب في حرب 1948 بفلسطين ووصول الرئيس جمال عبد الناصر إلى الحكم في مصر في 1952 والذي كان له بالغ الأثر عليه.

أنهى القذافي دراسته الثانوية الخاصة في مسرطه فيما أعطى اهتماما خاصا نحو دراسة التاريخ. وكون القذافي عناصر أساسية في فلسفته السياسية ورؤيته تجاه العالم كطالب مدرسي. كان تعليمه أغلبه عن العرب والإسلام بشكل قوي. ومعظم تعليمه كان على أيدي مدرسين مصريين.
استقى القذافي أيديولوجيته من إذاعة القاهرة أثناء سنواته الدراسية. وكانت أيديولوجيته هى القومية العربية على الطراز المصري مع اعتبار الرئيس جمال عبد الناصر بطل الثورة المصرية بمثابة المرشد له.

التحاقه بالسلك العسكري

وفي ليبيا مثلما هو الحال في عدد من الدول العربية فإن الانضمام إلى الأكاديمية العسكرية وتكوين حياة عملية كضابط عسكري أصبح متاحا للفقراء بعد الاستقلال فقط. وأعطى العمل العسكري للقذافي فرصة جديدة للتعليم العالي والارتقاء بمستواه الاقتصادي والتعبئة الاجتماعية كما كان هذا العمل للكثيرين هو الوسيلة الوحيدة المتاحة للعمل السياسي والتغيير السريع.

وبالنسبة للقذافي وكثيرين من أتباعه من الضباط الذين بدأوا في محاكاة نموذج الرئيس عبد الناصر للقومية العربية والعداء الشديد لإسرائيل كان العمل العسكري هو العمل الثوري.
التحق القذافي بالأكاديمية العسكرية الليبية في بنغازي في العام 1961 مثل أغلب زملائه في مجلس قيادة الثورة الليبية. وتخرج في الفترة 1965-1966. وبعد أن حصل على الامتياز تم اختياره للحصول على تدريبات إضافية لعدة أشهر في أكاديمية "ساندهيرست" العسكرية الملكية البريطانية.

بدأ ارتباط القذافي بحركة الضباط الأحرار أثناء دراسته العسكرية في ليبيا. وأدى الإحباط والعار الذي شعر به الضباط الليبيون الذي وقفوا لا حول لهم ولا قوة وقت الانتصار السريع لإسرائيل على الجيوش العربية على ثلاث جبهات في العام 1967 إلى زيادة تصميمهم للمساهمة في الوحدة العربية عن طريق إسقاط النظام الملكي الليبي.

إسقاط الملكية وإعلان الجمهورية
وفي فجر الأول من سبتمبر عام 1969 أعلن راديو بنغازي إسقاط الحكم الملكي الليبي الفاسد بدون إراقة دماء وقيام الجمهورية. وقرأ الضابط الصغير معمر القذافي رسالة "انتصار ثورة الفاتح، باسم الحرية، والعدالة الاجتماعية والوحدة". واستولى قائد المدرعات على العاصمة الليبية طرابلس محكما قبضته على القصر الملكي والمقار الرئيسية للشرطة والجيش ومبنى الإذاعة. ولم تبد الحكومة السابقة أي مقاومة في الوقت الذي كان فيه الملك إدريس السنوسي في تركيا للعلاج، وحاول جاهدا إقناع بريطانيا بالتدخل بمقتضى ميثاق الدفاع بين لندن وطرابلس.

وأودع الأمير حسن الرضا ابن أخ الملك السنوسي في السجن وأعلن بعد ظهر اليوم نفسه أنه استسلم لقادة الانقلاب طواعية ودعا الشعب إلى التعاون مع الحكام الجدد للبلاد.

وعقب انقلاب سبتمبر انسحبت القوات الأمريكية من قاعدة "هويلس" الجوية في ليبيا بمقتضى اتفاق كان وقع مع النظام السابق. ورحل آخر جندي أمريكي من القاعدة في 11 يونيو عام 1970 وهو ما اتخذته ليبيا بعد ذلك عطلة رسمية.

وفي ظل التدهور المستمر للعلاقات مع الولايات المتحدة أقام القذافي علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفيتي السابق ودول شرق أوروبا فيما ظل موقف ليبيا كدولة غير منحازة ومعارضة لانتشار الشيوعية في العالم العربي.
وفي أبريل من العام 1973 أعلن القذافي عن بدء الثورة الثقافية. وبعد عام ألغى رسميا وظائف سياسية وإدارية فيما أبقى على ألقاب رئيس الدولة ورئيس الأركان. وبعد ذلك بوقت قصير أصدر النسخة الأولى من "الكتاب الأخضر" للقذافي مطلقا عليه "النظرية الدولية الثالثة".

وفي مارس 1977 تم الإعلان عن الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية معطيا السلطة مباشرة إلى الشعب في إعلان "سلطة الشعب" في ظل تكوين مؤتمر الشعب العام واللجان الشعبية واللجان الثورية.

القومية العربية والعروبة

في غضون ذلك سعى القذافي إلى إحياء أفكار الرئيس عبد الناصر للعروبة وأصبح المدافع الشديد للوحدة لجميع الدول العربية في دولة واحدة. وأصبح أيضا مدافعا لعموم المسلمين وهى فكرة إقامة اتحاد كبير من الدول الإسلامية والشعوب.
وبعد وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر عام 1970 حاول القذافي ارتداء عباءة الزعيم الأيديولوجي للقومية العربية على غرار عبد الناصر.
وفي العام 1972 أعلن القذافي عن قيام اتحاد الجهوريات العربية (ليبيا ومصر وسوريا). مع هدف إقامة دولة عربية تضم كافة الدول العربية. إلا أن الدول الثلاث فشلت في الاتفاق على بنود محددة للاندماج. وفي الوقت نفسه عمل القذافي على تحرير ليبيا من الوجود الغربي وتأثيره وتدمير المصالح الغربية والأمريكية على وجه الخصوص في المنطقة.
وأصبح مساند قوى لمنظمة التحرير الفلسطينية التي غالبا ما كانت الدول العربية الأخرى تنتقدها لافتقادها الالتزام الكامل بالقضية الفلسطينية. ومساندته النشطة لمنظمة التحرير الفلسطينية أضرت أيضا بعلاقات ليبيا مع مصر في العام 1979 في الوقت الذي توصلت فيه القاهرة إلى اتفاق سلام منفصل مع إسرائيل ودعا القذافي إلى فرض عزلة سياسية واقتصادية على جارتها.

محاولات البحث عن الذات
مع تحول مصر ناحية الغرب، قام القذافي بتنمية علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفيتي. وكانت ليبيا هو الدولة الأولى خارج الكتلة السوفيتية التي تتلقى مقاتلات ميج 25 التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. على أى حال، ظلت العلاقات مع الاتحاد السوفيتي بعيدة نظرا إلى مزاج القذافي المتقلب.
وفي أثناء ذلك، سعى القذافي أيضا إلى زيادة التأثير الليبي خاصة في الدول ذات تعداد كبير للمسلمين بها من خلال دعوتها إلى إقامة دولة إسلامية صحراوية ومساندا للقوى المناوئة للحكومة في الدول الأفريقية جنوب الصحراء.
وطوال عقد السبعينيات، قام نظامه بنشاطات راديكالية سواء في الدول العربية أو غير العربية، وقدم مساعدات لمختلف الحركات الثورية.
وفي منتصف الثمانينيات، نظر إليه في الغرب على نطاق واسع باعتباره الممول الرئيسي للحركات الثورية في العالم. وبلغت التوترات بين ليبيا والولايات المتحدة ذروتها خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي ريجان والتي حاولت إسقاط القذافي. واتسم عقد الثمانينيات بالغارات الجوية الأمريكية على ليبيا واتهمت واشنطن طرابلس بأنها ترعى هجمات إرهابية على المصالح الغربية.
وفي العام 1986، أدى القصف الجوي الأمريكي ردا على مزاعم برعاية ليبيا للإرهاب إلى مقتل فتاة صغيرة كان قد تبناها.

العقوبات الاقتصادية والسياسية

على مدى أغلب عقد التسعينيات، عانت ليبيا من العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية كنتيجة لرفض القذافي السماح بتسليم الولايات المتحدة المتهمين الليبيين في تفجير طائرة بان أمريكان رحلة رقم 103 في العام 1988 على اسكتلندا وأسفر الحادث عن مقتل 270 شخصا.
وبتدخل رئيس جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا -الذي قام بزيارة تاريخية للقذافي في العام 1997-، والأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان وافقت ليبيا على تسوية تتضمن تسليم المتهمين إلى هولندا لإجراء محاكمة بمقتضى القانون الاسكتلندي. ورفعت عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على ليبيا فيما ظلت العقوبات الأمريكية ضد ليبيا سارية التنفيذ.
وفي 31 يناير من العام 2001 تم إدانة أحد المتهمين في القضية فيما تم تبرئة الآخر.
العقيد معمر القذافي Thumb_colonel_qaddafi_09823200960851