هي من
غمرتني بدموع مقلتيها...
لولا
بكاء الرضيع ما استفاق الوالدان من سبات موتتهما الصغرى...
لولا
شدة نباح الكلاب ما أحس الراعي بخطورة أنياب المتربصين من الذئاب...
لولا
ضياء الشمس ما انتشر بشر , وما عرف الناس عدد شهور السنة والدهر....
لولا
نور القمر ما كان للبحار مد ولا جزر
. ما بي أرى الأسد في عرينه لا يزأر.....؟
لولا
والداي ما جئت لدنيا ..حبوا ألحس حسراتي وأحن الصلد من الصخر.....
توقفْ حيث الموقف لا
ترتجف....؟
حين
حملت بي والدتي,لأجل مسمى وضعتني, غير أني لا أدري ليومنا هذا من هي مرضعتي..؟
قيل لي فيما بعد أنها
هي....
ولما
بلغت أشدي , واكتنز جسمي , وأنير عقلي قيل لي أيضا : عليك أن تتخذ مكانا غربيا
....
ركبت
مع الراكبين , هم فازوا بشاطئ آمن أمين , وأنا سبحت غربا وحيدا فكنت من
المغرقين....
وقتها
تذكرت أن الناس قالوا لي أن أباك سماك باسم والده ذكرى وتبركا لتكون من الصالحين...
أفهمت
أيها القلب المحب ....؟ أاستوعبت الكلم والحكم أيها الملك الحزين....؟
ِلما
تصدني أيها القاضي ؟ لِما أراك لقلبي تنظر
إليه بربع عين...؟
اآآآآآآآه:على
ما مضى دون أسف ولا تأفف ..أنتما يا والداي الآن رميم , الله لكما اسأل الجنة
والنعيم..
...واهتزت
قلوب الحاضرين ومفاصلهم ارتجفت هلعا وجزعا فقد نطق القاضي بحكم لم يسبق له في
الأولين
إعــــــدام....إعــــــــــدام....إعـــــــــــدام
ابتسمت
ثم ضحكت دون قهقهة ثم وقفت دون إذن ثم قلت: مرحى ومرحبا .لبيك وسعديك. ها هو قلبي
بين يديك.. فافعل ما أنت فاعل به؟ إنه
فارق الحياة . وعاشر الأموات قبل أن يحل
هنا طيفا عليك يا سيد المقامات..مسبقا علم ما سينطق به منكم الفم, لأنه بالأمس
الفغر فيه كُمِم ...أليس هذا ما
سيجره لديكم رأس القلم..؟ يا رب
..يا رب إليك أرفع شكواي فقلبي قد
ظُلِم بوخز القريب وبعد البعيد اللهم قلبي فارحم...؟
الكل في حالة استغراب وحيرة وتعجب.. الكل عُنُقه مشرئب...فاغر فاه.. زائغ
البصر...
علمت
ذلك منهم لأني أعرفهم جميعا وعن بكرة أبيهم ..إنهم النخاسون ..حاملوا الدفوف
والمزامير المصفقون
تقدمت
من القاضي خطوتين .و قلت:
هل لك
أيها السفاح أن تمهلني دقيقتين...؟
لك
ذلك شريطة ألا تتجاوز الاثنتين....؟
أمي
كانت للقمر مصدرا.. وللشمس مقرا .. أما هي ...
ويُقطع
حبل الألحان من صاحب الأشجان مرسل هديل الحمام
رسول السلام . وينتفض القاضي غضبا
وعدت للابتسام مرة أخرى وأجبت:
هي من
غمرتني بدموع مقلتيها ألفة وعفة... وأرضعتني من ثدييها حليب صدق الصدق والألفة
....هي هناك
بين
سُد وواديين أبكيها.. هي تبتغيني وأنا
ابتغيها ..
يتحرك
القاضي وألف ألف علامة من استفهام الحياة تدور به وحوله ثم بانفعال قال:
بلى
إنه الإعدام يا عدو الغرام
هي لي
وأنا لها ...كفى ثرثرة ؟ هيا امسك أليس غدا أول يوم من شهر الصيام...؟
ويتململ الغاضب فيلتفت يمنة ويسرة وكأنه يستنجد بمعاونيه ..كلهم
ينظرون لبعض ..كلهم يلوون رؤوسهم كلهم جياع .. .كلهم دون استثناء لا يفقهون حقيقة
الفارس القادم من وراء الهضاب والغمام ..
فارا من الزكام هاربا من الحطام...
إبراهيم تايحي