في
حديثها لبقة..وعلى وجهها نور وسناء
وإشراقة
*-
أماه لا هذا ولا ذاك جربي صدق نيته...؟
*-
صدقُ نيته...؟ زرعتُها فنمت وطحنت حبها
وعجنته وقد آن زمن ......؟
كان
وراء الخيمة متربصا مستأنسا ذاك الفارس
الملثم
.. سمع
الغريب الميتم المتيم ...كل كلمة , وقد شعر بخلجات الألم في صدر الأم, الذي أحاطت بها شتى صنوف الهم , فتذكرت أن هناك ربا أعظم تلجا إليه كلما تزاحم الغم
وادلهم..
كان
ينبش رقعة الرمل بعود [ أرْتَمْ]وحديث خافقه يزمزم : إنها حقا امرأة جزلة..قلما توجد شبيهة لها
بين حرائر النسوان اليوم ...
في
خلقها فريدة . في حديثها لبقة.. في رؤيتها دقيقة.. في معاملتها حذقة... وعلى وجهها
نور وسناء وإشراقة
ويدنو
الغريب من ستار الخيمة وإذا به يسمع الأم تقول لأبنها : ستبدي لك الأيام أن أمك ..
وتصمت
الأم , ويندفع الابن في غضب : هي ماذا..؟ هي ماذا أماه...؟
ويرن
صوت من الخلف – من خلف الخيمة-
هي
بين النساء شمس دونها النساء بهاء
وسؤدد....
إذا
تكلمن عن عرش الخُلُق سادت عليهن وخُلُقهن صريع مبدد....
وإذا
ما ابتسمت, غيث أصاب غصن الفؤاد اليابس اخضر واشتد....
تراها
ناسكة ملبية للواحد الأحد , إياك أدعو فرجا يا منزل سورة البلد...
*-
على رسلك أيها الغريب المستتر ؟ ألآ تعلم حمى مَنْ تلج والكلام تنثر..؟
*-
عنك دع هذا يا بني ؟ إنه منا ليس غريبا عنا ..إنه بين أهله وذويه...اقترب ؟ اقترب
فلك الملاذ إن قدر المقتدر....
*-
أماه ..؟ أمدركة أنت بُعْد هذا الكلام ...؟
*-
بلى وبه متشبعة وله صابرة وإياه منتظرة فما يضيئ الليالي إلا نور من قمر ...؟
ويربت
الغريب براحتيه على كتف الابن ثم يقول: كم
من يوم في السنة؟ وكم من شهر في العام؟
لم
يستوعب الابن ما يرمي إليه الغريب , لكن فطنة الأم تلقفته قبل أن يلقى من فم الفارس الملثم
تنهدت
بحرارة ..ويا ليتها لم تتنهد ؟ تألمت بصمت , لكنها واقفة بسمت , وقد بلغت حشرجة
فؤادها مداها
بَيْد
أن هذا لم يُثْنِ من عزيمتها . عزيمة خارت دونها همم الفطاحل والجهابذة من رجال
اليوم , أومأت برأسها على الفهم والتفهم وأردفت ذلك بقولها: كل محنة إلا
وتعقبها منحة .. اللهم يسر علينا وعلى كل
من ضاقت به الدنيا واشتدت حلقاتها ..يا من
قلت (( فإن مع العسر يسرا*إن مع العسر يسرا)).
شرب
أو أُشْرِبَ الفارس الغريب فنجان قهوة بدل كأس الشاي , لأنه لا يرضى تبديلا ولا
تحويلا لما تربى عليه
وإن
فَعَلَ.... ذاك ما يراه رحم الرياء والخداع, لهذا تراه يفضل سمراء تزيل الكآبة
والأحزان عن تلكم المشروبات التي حفت جوانبها وحواشيها بالمنكرات ... بالمنمقات
... اللامعات الملمعات..
وضع
الفنجان جانبا ..ضم يديه لبعضهما.. شبك بين أصابعه... كل هذا ورأسه مطأطأ حياء من تلكم المرأة الفاضلة , وقد تجرأت دموعه
وتحجرت في مقلتيه وخنقته حسرة أذابت الكلام من فيه .. ثم سارع شطر الأم
وهمس........
*-
لما هذا أيها الفارس...؟
*- لا
رد عندي الآن يا سيدة البدو والحضر ......
همتي
وعزتي وكرامتي هي هذا- وأشار إلى فرسه- إن علمتما له مخرجا يفيدكما في محنتكما
هذه فهو طوع إرادتكما ..إنه لا يعصيني
ويفعل ما يؤمر.... للسوق عرض.... ولفدية العرض غرض .....
استودعكما
الله ... فإن أنتم أحسستم بحاجة وأنا
مقتدر عليها لا تحرمانني الأجر أرجوكما.......
إبراهيم تايحي