لقد ورد اسم الله سبحانه وتعالى {الأحد} في سورة الإخلاص، قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.
إذا كان لفظ الجلالة {الله} يشتمل على سائر الأسماء الإلۤهية الحسنى، فإنّ كلمة {أَحَدٌ} تشير إلى أنه سبحانه {الواحد الذي لا يكون متعدداً}. وهو تعالى المتفرِّد في كل اسم من هذه الأسماء، فهو سبحانه أحد في ربوبيته وملكه، أحد في خلقه وألوهيته، أحد في علمه وحكمته، أحد في رحمته ورأفته، أحد في عدالته وقوته وقدرته، أحد في ذاته، وفي كل اسم من أسمائه الحسنى ومتفرِّد فيه. هذا وزيادة في الإيضاح وبياناً لما ذكرناه نضرب لك المثل الآتي نبيِّن فيه أن الله تعالى أحد في قوته فنقول:
قد تبلغ قوة الواحد منَّا درجة تمكِّنه من حمل كرة من حجر زنتها خمسون كيلو غرام على التقريب لكنه يعجز ويعجز ألف رجل مهما أوتوا من القوة عن حمل صخرة تجاوز في حجمها غرفة كبيرة من الغرف ويعجز الناس جميعاً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً عن حمل كتلة من الأرض تساوي جبلاً من الجبال الكبيرة، وهكذا فلبني الإنسان لا بل لسائر المخلوقات طاقة وقوة محدودة لا تتجاوز حداً معيَّناً، فإذا أنت كلَّفت هذا الإنسان بأكثر مما يطيقه باء بالعجز والفشل.
ودع الإنسان الآن وتعال ننظر إلى الكرة الأرضية هذه الكرة بما حوت من جبال وبحار، بما في باطنها من معادن ذائبة وصخور وأحجار بما اشتملت عليه من عيون وآبار وأنهار، بما حملت على ظهرها من إنسان وحيوان، ونبات وأشجار، تعال ننظر إلى هذه الكرة وقد تجاوزت زنتها تقريباً كما يقول علماء الفلك مليار مليار مكررة خمسة آلاف مرة من الأطنان:{000 000 000 000 000 000 5000 طن}. تعال نتصور هذه الكرة العظيمة ونحن محمولون على ظهرها تقف بنا في هذا الفضاء فلا عمد تقيها ولا سند يسندها، بل إنما تقف بقوة الله تعالى وحده وليس لأحد من الخلق معه فيها من شرك وماله منهم من ظهير. نعم إنها تقف في هذا الفضاء دائرة حول نفسها بين ليل ونهار وهي تجري في فلكها دون أدنى انحراف، وعلى الرغم من ثقالتها لا تتأخر في جريها لحظة ولا تخرج عن طريقها أنملة، فما أعظم هذه اليد التي تمسكها وهذه القوة التي تجريها بهذه الدقة العجيبة وهذه السيطرة المُطلقة وهذا النظام!.
ما أخالك إذا فكَّرت هذا التفكير ونظرت هذا النظر إلا مدركاً مما تشير إليه كلمة {أَحَدٌ} بالنسبة لاسمه تعالى القوي، وما أنت بمدرك طرفاً من معاني الأسماء الإلۤهية إلا من خلال ما تراه في الكون من آيات وبعد النظر فيما فيه من مخلوقات.
على أنك إذا ذهبت تتعمَّق في التفكير زدت في الإدراك لهذه المعاني وكلَّما تعمَّقت أكثر وأكثر زدت في التقدير، فإذا أنت تابعت النظر وجاوزت الأرض إلى قمرها الدائر حولها في هذا الفضاء ثم نظرت إلى الشمس ثم انتقلت إلى ملايين النجوم التي تملأ السماء والتي تجاوز زنة بعضها مليون مرة من وزن الشمس وعلمت أنها على عظيم وزنها تقف محمولة في الفضاء بقوة الله تعالى وحده فلا بد أنك تزداد تعظيماً لله تعالى وتقديراً وتعلم أنه سبحانه أحد في قوته.
وهكذا فمن الكون ذاته تستطيع أن تدرك طرفاً من قدرة الله تعالى وتقدِّر ربك وتعظِّمه، فإذا ما علمت أن كل ما في الكون من قوة مهما تعددت مظاهرها ومهما اختلف أنواعها ومصادرها إن هي إلا أثر منبعث من قوة الله تعالى وذرَّة من بحر من قوة الله القوي.
وإذا ما علمت أن الكون كله قائم بالله تعالى وأن جميع ما فيه من مخلوقات حتى الشمس بما في باطنها من حرارة تتجاوز المليوني درجة على حسب رأي العلماء، والنجوم بما فيها من قوة جذب ودفع ومغناطيسية، إذا علمت أن ذلك كله يستمد قوته من الله تعالى فهنالك تستطيع أن تدرك أن الله تعالى أحد في قوته فهو سبحانه القوي وما من قوي سواه.
أما وقد وضحنا لك ما تشير إليه كلمة {أَحَدٌ} بالنسبة لاسمه تعالى القوي فمن اليسير عليك أن تتوسع أنت في بقية الأسماء فتعلم من خلال اسمه تعالى القوي اسمه العظيم، والحكيم، واسمه تعالى الواسع والقدير والعليم والخبير والرؤوف الرحيم، واسمه تعالى العادل وغير ذلك من الأسماء الإلۤهية الحسنى.
وتعلم أنه تعالى أحد في كل اسم من هذه الأسماء فلا يوصف بكلمة أحد إلا الله تعالى لخلوص هذا الاسم الشريف المتعالي له.
والحقيقة أن الوصول للحضرة الإلۤهية لا يتم للمنقطعين عن الشهود الإلۤهي إلاَّ بالاتصال بواسطة من لم ينقطع عن حضرة الله طرفة عين منذ عالم الأزل ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصادق الوعد الأمين الباقي بالله البقاء السرمدي والشاخص ببصيرته المتسامية لوجه الله الكريم فهو الذي لم ينفك ولا ينفك عن حضرة الله في شهود أبدي تتراءى فيه جنات الله العلى وهو حبل الله المتين من تمسَّك به وسلّمه قلبه عرج به للسعادة والنعيم والاستنارة الدائمة والشهود الأعظم لوجه الله الكريم.