السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ..
- يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ( وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثارُ من أنواع العبادات ، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن الكريم في رمضان ، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسله ، وكان أجود الناس ، وأجود ما يكون في رمضان (متفق عليه) ، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن الكريم ، والصلاة والذكر والاعتكاف.
- وكان يخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخصُّ غيره به من الشهور ، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة ، وكان ينهى أصحابه عن الوصول ، فيقول له: إنك تواصل ، فيقول: ( لستُ كهيئتكم ، إني أبيت عند ربي يُطعمني ويسقيني ) رواه البخاري ومسلم.
- والله عز وجل رسوله عند هذا الوصال بلطائف المعارف ، ودر الحكم وفيض أنوار الرسالة ، لا أنه طعام وشراب حقيقة ، إذ لو كان كذلك لما كان عليه الصلاة والسلام صائماً.
- فلما قرّت عينه عليه الصلاة والسلام بمعبوده ، وانشرح صدره بمقصوده وتنعم باله بذكر مولاه ، وصلح حاله بالقرب مِن ربّه نسي الطعام والشراب كما قال الأول:
فـزادُ الـرُّوح أرواحُ iiالمعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا
فـليس يُـضيرك الإفتارُ iiشيئاً إذا مـا أنـت ربـك قـد iiعرفتا
- والرسول صلى الله عليه وسلم أذكر الذاكرين وأعبدُ العابدين ، جعل شهر رمضان موسماً للعبادة ، وزمنا للذكر والتلاوة. ليله صلى الله عليه وسلم قيام يناجي مولاه ، ويضرع إلى ربه يسأله العون والسداد والفتح الرشاد، يقرأ بالسور الطوال ، ويطيل الركوع والسجود ، شأن النهم الذي لا يشبع من العبادة ، جعل من قيامه الليل زادا وعتادا ، وقوة وطاقة. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴾ المزمل:1. ﴿ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ المزمل:2. وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ﴾ الاسراء:79.
- ونهاره عليه الصلاة والسلام دعوة وجهاد ونصح وتربية ووعظ وفتيا.
* وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد ( رواه أبو داود ).
* وكان عليه الصلاة والسلام يحث على السحور ، فقد صح عنه أنه قال: ( تسحروا فان في السحور بركة ) رواه ابن ماجه. لان وقت السحور مبارك ، إذ هو في الثلث الأخير من الليل وقت النزول الإلهي ، ووقت الاستغفار. قال تعالى: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ الذاريات:18. وقال تعالى: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ آل عمران: من الآية17.
- ثم إن السحور عون على الصيام والعبادة ، ثم هو صرف للنعمة في عبادة المنعم سبحانه وتعالى.
* وكان عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه أمرا وفعلا يُعجل الإفطار بعد غروب الشمس (رواه البخاري ومسلم ) ، فيفطر على رطب أو تمر أو ماء(رواه أبو داود والترمذي ) لان خالي المعدة أوفق شئ له الحلاوة ، فكان في الرطب والتمر ما يوافق الصائم الجائع.
* وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد ) رواه ابن ماجه. فكان عليه الصلاة والسلام بخيري الدنيا والآخرة.
* وكان يفطر صلى الله عليه وسلم قبل أن يصلي المغرب (رواه أحمد والترمذي وأبو داود).
- وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا اقبل الليل من ها هنا ، وأدبر من ها هنا فقد أفطر الصائم ) رواه البخاري ومسلم.
* وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصام وأفطر ، وخيروا الصحابة في الأمرين(متفق عليه).
* وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله (رواه مسلم وأبو داود).
* وخرج صلى الله عليه وسلم لبعض غزواته وسراياه في رمضان بل كانت بدر الكبرى في رمضان ، فنصره الله نصرا ما سمع العالم بمثله ، وأفطر صلى الله عليه وسلم في غزوتين من غزواته ، في رمضان , كما أخبر بذلك عمر رضي الله عنه عند الترمذي وأحمد ، ولم يحدد صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحد ولا صح عنده في ذلك شيء.
* وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله ، فيغتسل بعد الفجر ويصوم (رواه البخاري ومسلم) وكان يقبل بعض أزواجه وهو صائم في رمضان (متفق عليه)، وشبه قبلة الصائم بالمضمضة بالماء (أخرجه أبو داود).
* وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إسقاط القضاء عمن أكل وشرب ناسيا ، وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه (أخرجه الجماعة إلا النسائي).
- والذي صح عنه عليه الصلاة والسلام: ( أن الذي يفطر الصائم: الأكل والشرب والحجامة والقيء ) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. والقرآن الكريم دل على أن الجماع مفطر كالأكل والشرب.
* واعتكف عليه الصلاة والسلام في العشر الأواخر في رمضان (متفق عليه). فجمع قلبه مع الله تعالى ، وفرغ باله من هموم الدنيا ، وسرح عين قلبه في ملكوت السموات والأرض ، وقلل من التقائه بالناس ، فأكثر من التبتل والابتهال ودعاء ذي الجلال والإكرام. وعكف قلبه على مدارسة الأسماء والصفات ، وعلى مطالعة الآيات البينات ، والتفكر في مخلوقات رب الأرض والسموات ، فلا اله إلا الله كم من معرفة وحصلت له ، وكم من نور ظهر له ، وكم من حقيقة ظفر بها ؟ فهو اعلم الناس بالله ، وأخوف الناس من الله ، وأتقى الناس لله ، وأبلغ الناس توكلا على الله ، وأبذل الناس لنفسه في ذات الله فعليه الصلاة والسلام ما تضوع مسك وفاح ، وما ترنم حمام وناح ، وما شدا بلبل وصاح.
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم