وسادة الضمير النقي
خسئ من قال أن الإنسان نسله منحدر من حيوان.
( أطلع الغيب أم أتخذ عند الرحمن عهدا) مريم 78
( ما أشهدتــــهم خلق الســــموات والأرض ولا خـــــلق أنفســـهم وما كنت متخذ المضلـــين عضدا) الكهف 51 .
كثيرة هي أفكار السموم التي تصب سوط عذاب فوق رؤوسنا , وتنخر عقولنا , وتشتتنا إربا إربا .... ورحنا رويدا رويدا ننأى سكارى لهثا شطر سرابها , فشربنا حتى الثمالة من قيحها
وحمئها , وتسربلناها بهاء وخيلاء ما جعل جل تصرفاتنا – قولا وفعلا- من نبت جيفتها
وتناسينا خلقنا ومن خلقنا .
( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا* إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) الإنسان 3.2.1
اشترينا ببنات أفكارنا الدنيا ونزعنا من قلوبنا حب الآخرة , وفضلنا حرث الدنيا عن حرث الآخرة , فأمسى الكل – الا ما رحم ربي- يعبد ويتعبد الجسد المصطنع من إفرازات الجحيم
وأضحت كل جوارحنا – أيدينا . أعيننا. أرجلنا. أذاننا. ألسنتنا- أصناما صما عميا عن الصراط المستقيم.
إننا تائهون في بيداء لا ضرع فيها ولا زرع.... حالنا كذاك الذي به صرع... ومس من الشيطان يتخبطه ... ومن به صعر..
وإلا كيف نفسر ما نحن عليه اليوم من تفكك في العلاقات الإجتماعية وهي غاية القيم الإنسانية
فذاب صدق اللسان وطغت المادة على الإنسان, فحملت الصدور منا الضغينة والبغضاء والشحناء والحقد والحسد والغل والنميمة والزندقة ومن النطيحة والمتردية وما أكل السبع
لا والله إذا كان رب العالمين في محكم تنزيله يقول( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ....) آل عمران 110
فما أدار عقولنا ؟ وما لنا للمعروف ناكرين ؟ وللمنكر غاوين؟
إن صاحب السريرة الصافية المنزوعة الغل ..المحب للخير والمسارع إليه لهو في أعلى درجات التقوى والتقاة.. وقد بشر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام
[ حدث في عهد رسول الله صلاة ربي وسلامه عليه أنه كان في مجلس مع أصحابه وكبار الصحابة منهم المبشرين بالجنة , فقال لهم عليه الصلاة والسلام : سيطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة .
اشتاق الصحابة – رضوان الله عليهم - شغفا لمعرفة هذا الرجل الذي أكرمه الله تعالى
وأنعم عليه وشرفه أيما تشريف . فإذا برجل رث الثياب , تقطر لحيته بماء الوضوء , والصحابة له منكرون . لا يعرفه أحد منهم , فجلس إلى مجلسهم ثم غادر بعد مدة من جلوسه
[ القصة معروفة ومعلومة ولا ينكرها الا جاحد].
إننا في الغالب نفتقر اليوم إلى الكثير الكثير من القيم التي حملها وجاء بها هذا الدين الحنيف العظيم , وسقى زرعها ونبتها هذا الرسول الكريم صلاة ربي وسلامه عليه , في نفوس أصحابه , ومن آمن برسالته.. وما هي من الصعوبة بشيء , ولا حرج , ولا تكليف نفس ما لا تطيق , فقط هي ترويض النفس على طاعة الله والجهاد بكل الوسائل للفلاح والفوز برضي رب العالمين , ملك الملك الواحد القهار الملك الجبار ..إنها الجنة ونعيمها .. والنجاة من النار وسعيرها ولهيبها . وتدبرر أيها المؤمن .. أيتها المؤمنة قوله عز وجل بعقلك ولبك ما قال
( قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها) الشمس 10.9
وعند أهل النحو أن [ قد] إذا دخلت على الفعل الماضي تفيد التحقيق.
عودة إلى الحديث السابق ( سيطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة) فيه الكثير من العبر
حيث هناك أعمال ولو بدت أنها قليلة من حيث الأفعال- ما تعلق بالنوافل من الطاعات
والإكثار من أفعال الخيرات- ولكن حقيقتها ولبها من أعظم الأعمال والأفعال , وأجرها
عند الله لعظيم .. هي التسامح والمسامحة .. هي القلب السليم الخالي مما سبق ذكره وتمت الإشارة إليه هي الضمير الوديع الحليم ...وديننا يحثنا على ذلك ..
أيها المؤمن ..أيتها المؤمنة , لا يتطلب منا الأمر أن نكلف أنفسنا ملا تقدر وتتحمل , فقط لا ننام وفي قلوبنا ذرة من تلكم المذمومات .. من ضغينة وغش وحسد ..... لأحد .
ولكم أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الرجل [ عبد الله بن عمرو بن العاص]
قد استحق الجنة. وبها بشر ما لا يمكن أن يلمسه أو يثبته بشر عدا رسول الله صلاة ربي وسلامه عليه, ....
فما لهذا الرجل من إقدام قدر إقدام أبو بكر وعمر وعثمان علي ومن هم على نهجهم . ولكن سريرة النفس النقية التي يحملها بين أضلعه ... إنها التسامح ... إنها وسادة الضمير النقي
ابراهيم تايحي