عرسان اليوم والحب المبتاع
لما جن الليل وبزغ قمره كنت وقتها مستلقيا على حصير أحبه كثيرا لأنه من تركة أمي
والدتي ..أكلمه.. أدغدغ نسيج خيوطه ..أقبله.. ثم تبدأ الحكاية........
- أماه هل لك أن تقصي علي كيف كانت الأعراس وقتكن؟
أعادت تصفيف عصابة رأسها وأحكمت عقدتها ثم ابتسمت ... فخلت القمر تحول بدرا وعلى محياها ارتسم وجثم ...أهذه أمي حبيبتي أم أني هناك مع حور العين...
قالت: يا ولدي ذاك زمن الحشمة في الدماء سرت وفي السويداء غرست وعلى القلوب نبتت
قلت: أأنت أمي فاطمة الزهراء أم أنني مع الشاعرة الخنساء ؟’
قالت: لست يا ولدي بالخنساء لكني أكيد أني أمك فاطمة الزهراء
قلت: لا علينا , عامليني قدر عقلي ؟
قالت: في سن مبكر وقول الرجال فينا لا يبتر وقبل العرس للعريس عين لم تبصر
قلت: ما هذا يا أمي أرقيق أنتن؟
قالت- والغضب في عينيها من شدة أو سوء تعبيري- استح واحذر؟ من أن تعود لمثل هذا القول مرة ثانية , فلسنا رقيقا بل بنات تغمدهن الحياء ونفوسنا عن التبرج نائية
قلت: وعشتن في هوان وتسلط ؟ أليس هذا استعباد واستبداد وقيد وأصفاد ؟
تغير لون وجهها واكفهر وغاب ذاك الضياء والصفاء والبهاء .....
ارتجفت مفاصلي خوفا وخشية من الله ثم من عاقبة غضبها .. تلعثمت الكلمات في فمي ..جف ريقي.. ماذا فعلت؟ ماذا قلت؟.. إني أداعبها كالعادة ليس إلا , ولكنني سرعان ما أدركت وفقهت كنه غضبها علمت أن ما ساد وقتهن من حشمة والتزام لا يبدو لهما من معلم اليوم عندنا – الا من رحم ربي- ولما سكت عنها الغضب وهدأت نفسي قبلت يديها ورجليها وارتميت في حضنها
وكزتني بيدها وقالت: حسبك.؟ حسبك إن لم تكن ابن بطني لأدبتك ثمانية [ هي كناية عن الضرب بعود الرمان] .
قلت : يا أمي لما أنت هكذا كلما سمعت بعرس اكفهر وجهك وانتابتك حالات من الغضب وعدم الرضي؟
قالت: يا ولدي معظم عرسان اليوم يشبه حالهم منظر البوم .. ترى منهم من هم للفضيلة تنكروا وبالرذيلة تسمروا وعن حقيقة الود والرحمة نفروا...
قلت: ها أنا يا أمي علمت ما كان وقتكن وشيئا عن وقتنا هذا , والآن ما رأيك في عرسي ؟
قالت: كفى مراوغة أيها النمس التعس , لو كان أبوك حيا لقطع منك النفس .. أنت ابن البادية ابن مدرسة محمد ..
قلت : أتعنين محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم ؟
قالت: نعم إياه أعني ولا أزيد
قلت: إذن العروسة المفترضة لا تروق لك يا أمي ؟
قالت: استغفر الله .. في الأسر حرائر يا ولدي .. عفيفات وعن اللغو والبريق معرضات .. على أيديهن الخير والبركات .. حافظات ..مربيات.. للصبر حاضنات وللزوج مطيعات..و
استوقفتها لأقرأ ما بداخلها بعين البصيرة
قلت: وهل لعروستي يا أمي نصيب من هذه الصفات ؟
قالت: أتمنى ذلك. أكيد لها الكثير إن هي كما عرفتها و محصتها نستبشر خيرا فتجود السماء علينا نسمات..
قلت: ولكن يا أمي في هذا الزمن سادت علاقات , وشيدت بنايات , وانفرد العريس بعروسته
تحاشيا لحدوث صراعات ...
طأطأت رأسها مليا ثم تنهدت بحرارة وقالت: فهمت قصدك وربطت فرسك وشربت إرهاصك
على كل حال فهذا حال أغلب عرسان اليوم فالحب بينهما مبتاع مثله كسحابة صيف وعلاقات على الرصيف .. تبا ..تبا.. لا مرحبا بهذا الطيف .. أمر مرعب مخيف . .. على الوجوه مساحيق زيف .. أكل في الثلاجة ليس لي به حاجة ... قليل من القديد ولا هذا الصديد , صور على الجدار تتراقص كلها خبث ودسائس ... نوم عميق بالنهار وسمر غريق حتى الأفجار...
على المشط يتنازعان , وأمام المرآة يتناغمان , في الشارع متأبطان , إذا رأيتهم حسبتهما واحدا لا اثنان ... , ضحكات تهز الكيان .. نظرات هذه لك والباقي لفلان ... رنات الجوال لا تنقطع هذه صديقتي وتلك زميلتي أما الثالثة فهي ابنة خالتي , وما زاد يحرم عن المزاد ..
أم الزوج يدعونها العجوزاللجوجة, وأم الزوجة زوج ابنتها يناديها ماما الحاجة ...
هذا هو الحال يا ولدي فاختر السبيل الذي يرضي الله ولا يخدش كبدي ؟
ابراهيم تايحي