تقديس الأصنام وتهميش الأعلام
خيمة العربي القح يزيدها ضياء الشمس بهاء وتلألأ , حتى إذا ما أوشكت أخت يوشع على الرحيل يطل عليها الليل مرخيا عليها سدول النور نور القمر , فتبدو كعروس على هودج تحف به الصبايا من أجمل وأكمل بنات القبائل والحمائل , وإذا ما فقد القمر أو غاب يضفي لهيب النار الموقدة الهادية لكل عابر سبيل , فيأمن ويطمئن ويطعم وإن شاء الكرى, كملك يحط به العساكر من كل مكان لئلا يتسرب إليه من بنفسه كيد أو غدر , وينبلج صبح تعانقه نسمات أطيب وأنقى من شهد الشام , فينطلق كل ذي كبد بحثا عن قوت يومه , أو لقضاء شؤونه , داخل أو خارج خيمته , وحين يحن الحنين لتقديم القربات من النطيحة والمتردية وما أكل السبع , يهرع السادة وصعاليك القوم للرجس والنجس وما رخص , فتراهم بين رقص ونكس , وفي القول جعجعة والعبيد من حولهم بالرماح وكأن حالهم هذا في معمعة , وهكذا يستمر الحال على هذا المنوال وتأكل السنون أولادها , وتتحول الخيم إلى قصور و- فيلات- ويكثر اللغط فينفجر النفط , وتستأسد الفئران وقت غياب القطط, ويعلو الصخب الماجن فتموت الحرة غيضا , ويرفع شأن الساقطة اللاقطة , وترى كساد الهمة في السوق راكدا , بينما ترى للرذيلة الناس روافدا, بئس الورد المورود , والرفد المرفود , ضعف الطالب والمطلوب , وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت.... أترقد في التراب الأسود ويعم الفضاء بقايا من قوم عاد وثمود .......
ألما .. وجعا .. طعنا... سما... لبطون خاوية , ولعقول طاغية ....
عمى... صما... بكما... لعشاق نواميس الفانية .....
ويهوى من عل عمود الخيمة فتبكي الحرة حسرة على فقدان سترها , وتصرخ الأمة اللئيمة زهوا لتحررها.
ويرحل ابراهيم دون ذكر لمآثره ... دون تقدير لأفكاره
ويرحل ابراهيم عن دنيا هي أصلا فانية , غدرت به كما غدروا هم به
ويرحل ابراهيم تاركا وراءه إرثا لم تستوعبه عقولهم – إن كانت لهم أصلا عقول- إرثا احتضنه الغرب وثمنوه دون العرب , لأنهم أدركوا كنه وحقيقة وفائدة هذا الذي تفجرت به ينابيع العلم لديهم , وهم في حركة دؤوبة لولبية , لا يهينون ولا يهنون , بينما أبناء العسيرة والأعمام صمت آذانهم عن الكلام بل وحتى الترحم , وبترت سواعدهم عن لم العبرات , وعقرت عيونهم عن ذرف العبرات , وهل كانوا يوما للفضيلة فضيلة العلم معبرين ؟ .
رحل ابراهيم وتستمر الحناجر حناجر البذخ واللهو والترف واللهف تنعق طربا وغناء , ورقصا وجفاء , وترفع رايات الغوا يا,وتقدم الملايين والهدايا لمن حفرت سيقانها العارية قبور العلماء
ويرحل ابراهيم غير آسف لأنه أدرك بقوة إيمانه أنه من كان من أجلهم يعاد الرقاد ويمحي من مخيلته السهاد ضاعوا بين نار ورماد
ويرحل ابراهيم ليقول لمن بعده : تابعوا ولا تتبعوا , كونوا أفرادا في جماعة الأسود ولا تكونوا أبدا قادة في جماعة النعام.
رحل ابراهيم وهو يقول : إن أكيس الناس من تعلم بعلم أو سكت بحلم .
رحل ابراهيم وبرحيله علمنا صدق المقولة : لا غرو فكم كانت الكلمة مجلبة للأحقاد ومثارا للتنافر والعناد
رحل ابراهيم بعدما قال وكتب واستنطق الأخضر واليابس : إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده ... لذلك كان عليه أن يغفر ويسامح غيره ممن أساءوا إليه. لقد حان الوقت أن نتسامح وتكون طاقتنا الداخلية منضبطة . اعلم أن أي شيئ غير طبيعي يحدث لك إنما هو سبب لعدم انضباط التسامح لديك.
يرحمك أرحم الراحمين يا دكتور يا ابراهيم الفقي والهم ذويك ومحبيك الصبر والسلوان
(( إنا لله وإنا إليه راجعون))
ابراهيم تايحي