أقــــــزام وشكلهم غريـب
كل شيئ أمسى كلاما , حتى الجماد هو الآخر صار كلاما, وكلنا بتنا كلاما , وسنبقى هكذا كلاما
وحين يكل الكلام نكونوا وقتها قد قضينا وطرنا من جيفة الدنيا , وما دار لكه في القصور وهمسات الخيام, أليس هذا بمخالف للفطرة ؟ وحافز قوي لولوج باب الفقر الثقافي , وما نحن عن هذا الباب بعيدون ؟ وها نحن لدروس مقررة علينا من منهج الفقر الثقافي مقبلون..
السنة الأولى من عمرنا: نلتقط جذور الرذيلة , وما جاد به الشارع
السنة الثانية: مرحلة السقي وإزالة الأعشاب النافعة
السنة الثالثة: حملة جني المحصول
السنة الرابعة: التهيئة لتسويق المحصول , وشيئا قليلا لأهل الدار
السنة الخامسة: التسويق والترويج وعرض الطالح ودس الصالح
وتمر هذه الأعوام تنحر بعضها بعضا , ونأخذ الاعتراف الدولي والعالمي , بل ننزعه نزعا
فيرحب الآخرون بنا نحن المتأخرين المتخلفين , يفتح السوق الأكبر قبل الأخير أبوابه فنتسارع ونتدافع لحجز أقرب الأماكن لعرض المحصول اللامع, ويبدأ العرض في سنته الأولى:
محلات وواجهات للبيع والشراء مزينة حواشيها بأصدق عبارات الفتن والإغراء
وفي السنة الموالية : احتكار وتقييد الأحسن المفيد في قبو ظلامه شديد , وتلميع الضار خدمة
لكل من هو من بيته وعمله فار.
ثم سنة ثالثة , وفيها نكون نقابات الغش والزيف لأصحاب من ادعى حرفة التحلل في كل فصل سيما في فصل عزا لحرارة من هذا الصيف , حيث لا احد عنه يحيف
وفي السنة الرابعة من عمر هذا السوق حركة سريعة لبيع القديم المستورد تهيئة لما هو من هناك مقبل ووارد.
وننجح في حيازة السعفة الذهبية , وتنحني أمامنا الرقاب اعترافا بأساليبنا التجارية الغبية
فنحن فعلا سادة وقادة.... لكننا في أيادي بهلوانية غربية كالدمى ...بل نحن للغرب ضحية
ونلج رحاب السوق العالمية , حيث المعسكرات تحت ظل الشمس الرمادية, ثم السباحة فوق السحاب بقمصان قدمت لنا هدية من العلمانية, وأخيرا من لا يحسن السباحة في هذا المستنقع عليه فورا مغادرة المرتع .أبواب السوق مفتوحة لكل طماع جشع , لكل ظمآن ,لكل من لم يشبع وتطأ أقزام أراضي السوق , بأقدام صنعت من إفرازات الجحيم , شكلهم غريب , لباسهم مريب
حديثهم بلا مؤنس , حركاتهم دون الجن من الإنس
وهكذا دواليك عربة تجر عربة ..قرد كسيح يسابق الريح... دببة متوحشة تجوب أروقة السوق دون أدنى احترام وحشمة....
هذا يعوي وتلك ( تزوي) , الآخر ينط من رصيف إلى رصيف , يردد أغنية شيطانية
[ بلاك أطيح يا صليح] والأخرى – وما أدراك ما الأخرى – تحملق , ترشق, تطبق, تلصق..
تزاحم وتراكم , المناكب تتلاطم, إشارات همز وغمز ولمز وهز و[ دز] , نظرات ناكرة منكرة
وجوه مصفرة عليها قترة , حتى وإن زينت بمساحيق وغبرة..هرج ومرج وزج, بيوت تكاد تضاهي الكهوف والمغارات خاوية ... حتى العناكب تنصرت هي الأخرى وأضحى لها أسواق
للصياغة والسياقة واللباقة والرشاقة وشيئ قليل من طحين ( الدباغة) وحبات( البراقة)
عالم غريب هذا الذي نعيش حياتنا عليه , أمر مريب ما آل الحال إليه , وبين العالم الغريب والأمر المريب , أناس برءاء , أناس محتشمون, أناس طهر وعفة وكرامة وشرف , دفعتهم الحاجة لقضاء مآربهم فوجدوا أنفسهم بين أقزام شكلهم فعلا غريب .
ويبقى السؤال معلقا , ترنوا إليه العيون , وتشخص له الأبصار , وتشرئب له الأعناق, لعل فرجا في الأفق تلوح بشائره ليخلصنا من هذا الضنك وضيق المسلك
حيث الشقاق والرياء والفسق والنفاق
حيث الإفك والبهتان والدس والخذلان . حيث الغش في النظر والكلام وما يخفي اللباس من ألغام حيث الأمر بالمعروف جريمة في عرف الألوف . حيث النهي عن منكر مادة أزيلت تماما من على قاموس التربية . حيث الدينار والدرهم والأورو والدولار , وما رن واخضر أمسوا مفتاح قيادة لعرش السؤدد والسيادة. حيث المظاهر والرشاوى والزندقة وكسوة العري تطور وتحضر , وكل مخالف هو أبكم أصم متخلف .
هذه المظاهر يا سادة ..يا أكابر مدعاة لوحشة وظلمة حفر المقابر ...
اتقوا الله في أنفسكم وأهليكم ؟
اتقوا يوما تعودون فيه إلى الله؟
اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ؟
اتقوا يوما لا حسب ولا نسب, ولا مال ولا جاه ولا سلطان الا من أتى الله بقلب سليم
ابراهيم تايحي