الآداب احترقت .. الطلاب يخسرون أمام الفساد .. و وزير التعليم العالي لـ عكس السير : ستتم معاقبة الفاعل مهما كان حجمه و وظيفته
التفاصيل
شهدت جامعة حلب يوم الثلاثاء الماضي حريقا كبيرا اندلع في غرفة امتحانات اللغة العربية في كلية الآداب أدى إلى احتراق كامل الغرفة التي تحتوي آلاف الأوراق الامتحانية ،و شهدت الأوساط الطلابية قلقاً كبيراً بانتظار ما ستفسر عنه التحقيقات التي تجريها عدد من الجهات المختصة , ومعرفة مصيرهم المجهول بعد احتراق أوراق امتحاناتهم .
الغريب في الأمر أن القلق الطلابي لم يقابله اهتمام كاف من مجلس التعليم العالي , الذي لم يكلف نفسه عناء البحث في مصير الطلاب , مكتفياً بانتظار نتيجة التحقيقات .
الأوراق احترقت أيا كان المجرم , سواء كان طالباً فاشلاً , أو منظومة فساد كاملة , ومصير الطلاب ينتظر تحقيقات مهما كانت نتيجتها , فهي لن تغير من الأمر شيئاً بالنسبة لهم .
و كانت المعلومات الاولية التي انفرد عكس السير بنشرها و تناقلتها وسائل الإعلام عنه لحظة نشوب الحريق تفيد بأن رجلا مجهول الهوية تسلل إلى الكلية و قام بإضرام النارفي الغرفة عند الساعة الثامنة و الربع من مساء الثلاثاء .
المجرم على دراية بوجود كاميرات وأمكنتها !!
وروى مصدر مسؤول في الكلية لعكس السير ما جرى , قائلاً " إن المجهول تسلل إلى داخل الكلية من غرفة المطالعة في الطابق الثاني حيث يرجح انه كان مختبئا بداخلها أو انه نزل من معهد اللغات في الطابق الخامس من الكلية .
وأشار المصدر إلى ان الفاعل على دراية تامة بوجود كاميرات مراقبة في الكلية فعمد إلى بخ إحداها ( الموجودة بالقرب من غرفة المطالعة ) بطلاء خاص لحجب الرؤية , و توجه إلى غرفة امتحانات السنة الأولى لقسم اللغة العربية و حاول خلع الباب الحديدي بداية و بعد فشله عمد إلى ضرب الباب الخشبي برجله و اضرم النار في الغرفة و فر هاربا .
و بين المصدر أن الفاعل لم يكن منتبها إلى وجود كاميرا أخرى في انتظاره عند مدخل باب الغرفة و تلتقط ما كان يفعله قبل أن يفر هاربا .
و تابع المصدر " أحس عدد من إداريي الكلية بالحريق و حاولوا بمساعدة الحرس الجامعي إخماد الحريق عبر عبوات الإطفاء الصغيرة الموجودة في الكلية إلا أنهم لم يتمكنوا بسبب شدة الحريق و طبيعة المواد الموجودة في الغرفة ، قبل أن يحضر عناصر الإطفاء و يخمدوا الحريق "..
الماس الكهربائي هذه المرة " بريء "
و علم عكس السير ان كاميرات المراقبة كانت معطلة في الكلية حتى قبل ثلاثة أيام من إقدام المجرم على ارتكاب جريمته , وأنه تم إصلاحها قبل ثلاثة أيام فقط من الحادثة .
و تساءل المصدر " كيف علم المجرم باصلاح الكاميرات ، علما ان الكاميرات بقيت معطلة لفترة طويلة ".
كما ان اختيار اليوم الذي يناوب فيه الحارس " زكريا " يدل على أن الفاعل حدد بدقة الزمان و المكان المناسبين و يدري ببواطن الأمور في الكلية .
وبذلك تكون الكاميرات برأت " الماس الكهربائي " من هذه الجريمة , وهو المتهم عادة بمثل هذه الجرائم .
الخسائر : 15 ألف ورقة امتحانية و سجلات تعود إلى أكثر من عشرة سنين ..
و علم عكس السير أن الحريق تسبب في إتلاف 15 ألف ورقة امتحانيه مصححة و لكن نتائجها لم تدون على السجلات ، بالإضافة إلى سجلات طلاب يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من عشرة سنوات .
و بين المصدر أن الحريق أتى على ثلاثة مواد لم تصدر نتائجها بعد لطلاب السنة الأولى في قسم الأدب العربي ، و أربعة مواد لمختلف السنين لطلاب الأدب التركي .
وسؤال على الهامش : ألسنا في عصر الأتمتة ومن المفترض أن يكون كل شيء مخزناً على أقراص , ونحن في القرن الواحد والعشرين .
عودة إلى الوراء ..
بالعودة إلى الوراء قليلا ، نجد أن حريقا اندلع بفعل فاعل في امتحانات كلية الهندسة التقنية قبل نحو شهر .
و صرح حينها رئيس جامعة حلب لعكس السير إن الحريق تم بفعل فاعل ، و انه قد يكون مرتبط بما يحصل في الجامعة في الآونة الأخيرة من كشف حالات تلاعب وفساد امتحاني".
تلا ذلك قيام إحدى الجهات المختصة بالقبض على عدد من الطلاب والطالبات الذين ينتمون لأشهر عائلات حلب متلبسين بالجرم المشهود أثناء قيامهم بتقديم امتحانات مادة النثر - قسم اللغة الإنكليزية على أوراق إجابة امتحانية نظامية مهربة من الكلية في مكتب خاص يعود لمدرس لغة إنكليزية متقاعد في حي الفرقان القريب من الجامعة .
كما ألقي القبض حينها على عدد من المتورطين بينهم طالب كانت مهمته جلب الأسئلة , وموظف في جامعة حلب داخل المكتب المذكور , وكشف شبكة كبيرة بينها طلاب دراسات عليا وموظفين .
وتوقع البعض أن تشهد كلية الآداب زلزالاً إدارياً خاصة وأن ما حدث كان أمراً جللاً من حيث عدد المتورطين وطريقة عمل الشبكة الذي يشير إلى أكبر من مجرد مجموعة الأفراد الذين قبض عليهم .
إلا أن ما جرى هو صدور قرار من رئاسة جامعة حلب يقضي بإعفاء رئيسة دائرة الامتحانات بكلية الآداب في جامعة حلب " رياض نداف " من مهامها , ونقلها إلى " أمانة " المعهد الطبي , كما أمر بنقل رئيس الدائرة " محمود مسلم " إلى " رئاسة " ديوان رئاسة الجامعة .
وكان رئيس الدائرة قام قبل ذلك بتمزيق تقرير امتحاني صدر بحق طالبة كانت قد أدخلت فتاة غيرها إلى الامتحان بدلا منها ، وألقاه في سلة المهملات دون إعلام الإدارة .
وشكلت رئاسة الجامعة حينها لجنة للتحقيق و دراسة ما جرى ومحاسبة " المخطئ " , وعلى الرغم من قيام اللجنة بعملها ورفع اقتراحات , بقي رئيس الدائرة في مكانه كما كان متوقعاً , لينقل بعدها إلى رئاسة الديوان في رئاسة جامعة حلب .
و رغم صدور قرار النقل قبل فترة , فإن عميد كلية الاداب امتنع عن تنفيذ مذكرة النقل .
وأكد مصدر مسؤول داخل الكلية لعكس السير أن المذكورين كانا يداومان في كلية الآداب حتى اليوم التالي من الحريق ؟! .
نائب العميد : هذا عمل شبكة منظمة و ليس فرد
و قالت نائب عميد كلية الآداب بجامعة حلب الدكتورة ايمان الصالح في تصريح خاص لعكس السير أن الطريقة التي تم فيها افتعال الحريق يدل على انه عمل منظم و شبكة و ليس عمل فرد .
و إجابة على سؤال حول من يقف وراء هذا العمل ، صرحت الصالح "أنه من قام بهذه العملية مجموعة من خفافيش الليل أرادوا ان يغطوا بهذا الحريق ممارساتهم النتنة و الغير نظيفة التي كانت تجري خلال السنوات الأخيرة في الكلية ".
وفي سياق متصل ، بينت الصالح أن عدد الطلاب المتأثرين بالحريق يبلغ حوالي ثلاثة ألاف طالب ، 2500 منهم من السنة الأولى في قسم الأدب العربي و البقية من السنوات الأربعة من قسم الأدب التركي .
و أشارت الصالح إلى انه تم إنقاذ عدد كبير من الأوراق الامتحانية و نسبة كبيرة من السجلات.
العميد : التحقيقات مستمرة و القرار بيد القيادة
و قال عميد كلية الآداب و العلوم الإنسانية الدكتور " عيسى العاكوب " لعكس السير إن التحقيقات لا تزال جارية لمعرفة الشخص الذي أقدم على هذا العمل .
و حول مصير الطلاب ، اكتفى " العاكوب " بالقول أن القرار بيد القيادة و هي ستراعي مصلحة الطلاب .
و عن دوام الموظفين الذين تم نقلهما من الكلية ، نفى " العاكوب " أن يكونا داوما في الكلية يوم الحادثة مشيرا إلى أنهما تركا الكلية قبل يوم من الحادثة .
رئيس الجامعة لعكس السير : سنقرر عندما تتوفر لدينا كافة المعطيات
و قال رئيس جامعة حلب الدكتور نضال شحادة لعكس السير إن مصير الطلاب سيتحدد على ضوء المعطيات التي بين لدينا فما زلنا في طور حصر الخسائر .
و عن الاحتمالات ، بين رئيس الجامعة أننا نضع الوزارة في صورة التطورات , و أن القرار سيتخذ على ضوء الأحداث .
و علم عكس السير أن رئيس الجامعة سافر إلى دمشق يوم الخميس و وضع الوزارة بصورة ما يجري في الجامعة , إلا أن الوزارة لم تحرك ساكناً , حتى أنها لم تناقش الأمر في مجلس التعليم العالي .
وزير التعليم العالي لعكس السير : الفاعل ستتم معاقبته مهما كان حجمه و وظيفته
من جهته ، قال وزير التعليم العالي الدكتور غياث بركات في تصريح خاص لـ عكس السير ان مصير الطلاب مرهون بالقرار الذي سيتخذه مجلس جامعة حلب , وأن تسريع اتخاذ القرار مرهون بعمل عمادة كلية الاداب .
وأضاف الوزير أن مجلس التعليم العالي سيتدخل في حال لزم الأمر للمساعدة في إصدار القرار .
و أكد " ان الوزارة ستكون إلى جانب الطلاب و جميع الخيارات مفتوحة لمصلحتهم ".
وشدد الدكتور " بركات " في تصريحه لعكس السير أن الفاعل ستتم معاقبته مهما كان حجمه و وظيفته .
مصير الطلاب بحاجة إلى قرار حاسم و مسؤول ..
وبعد زيارة وزير التعليم العالي إلى كلية الاداب , ينتظر آلاف الطلاب قرارا حاسما و مسؤولا يعيد إليهم الامل الذي احترق داخل غرفة الامتحانات ..
و بينت مصادر مطلعة أن الطلاب أمام عدة احتمالات للخروج من هذا النفق المظلم :
الاحتمال الأول ، إصدار قرار يعتبر هذه المواد إدارية و بالتالي لا يتأثر الطلاب إيجابا أو سلبا بنتيجة هذه المواد في تحديد النجاح أو الرسوب , لكنه أمر يرى فيه طلاب كثر ظلم كبير خاصة وأنهم نجحوا في المواد .
الاحتمال الثاني هو إعادة الامتحانات للمواد التي لم تصدر نتائجها ، و هذا يبدو بعيدا في الوقت الحالي لان الدوام الرسمي في الجامعات سينطلق بعد أقل من شهر و هناك عطلة أعياد .
الاحتمال الثالث فهو اعتبار جميع الطلاب ناجحين في هذه المواد , الأمر الذي يسيء إلى سمعة جامعة عريقة كجامعة حلب و يجعل المستوى العلمي للجامعة في الحضيض و قد يكون أيضا الهدف الذي أراده من افتعل الحريق ..
كلمة أخيرة ..
الأحداث التي شهدتها جامعة حلب هذا العام تدعو إلى وقفة تأني من قبل المسؤولين ، و من بعدها اتخاذ إجراءات و قرارات حاسمة لانتشال هذا الصرح مما هو عليه .
والسؤال الذي يطرح نفسه , لو تمت المحاسبة أول بأول , هل كنا وصلنا إلى هنا .. نستغفر الله , فإن لو تفتح عمل الشيطان , لكن من المؤكد أن الشيطان ليس وحده من أحرق الامتحانات ...