الاستمناء وكذلك مباشرة المرأة وتقبيلها حتى إنزال المني مفسد للصيام ، وعلى من
فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى من هذا الفعل المحرم ، ويقضي يوماً مكان هذا اليوم
الذي أفسده ، ولا تجب عليه كفارة ، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان .
قال ابن قدامة في "المغني" (4/363) : " وَلَوْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ فَقَدْ
فَعَلَ مُحَرَّمًا , وَلا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِهِ إلا أَنْ يُنْزِلَ , فَإِنْ
أَنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ " انتهى .
وقال أيضا (4/361) : " إذَا قَبَّلَ ( أي زوجته ) فَأَمْنَى فَيُفْطِرَ بِغَيْرِ
خِلافٍ نَعْلَمُهُ " انتهى .
وقال النووي في "المجموع" (6/349) :" إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ
الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا ,
فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلا فَلا , وَنَقَلَ صَاحِبُ
الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ
دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ " انتهى باختصار .
وقال في "بداية المجتهد" (1/382) : " كلهم يقولون : ـ يعني الأئمة ـ أن من قبل
فأمنى فقد أفطر " انتهى .
وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (3/296) :
" لا أعلم أحدا أرخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها ،
وأن من يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى الصيام" (ص 237) : " ولا يحل لإنسان أن يداعب
زوجته إذا عرف من نفسه أنه ينزل بهذه المداعبة ، لأن بعض الناس يكون سريع الإنزال
فبمجرد ما يداعب المرأة ، أو يقبلها مثلاً أو ما أشبه ذلك ينزل . فنقول لهذا الرجل
: لا يحل لك أن تداعب امرأتك ما دمت تخشى أن تنزل " انتهى .
وقال أيضاً في "الشرح الممتع" (6/234-235) :
" إذا طلب خروج المني بأي وسيلة ، سواء بيده ، أو بالتدلك على الأرض ، أو ما
أشبه ذلك حتى أنزل ، فإنّ صومه يفسد بذلك ، وهذا ما عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله
مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد .
وأبى الظاهرية ذلك وقالوا : لا فطر بالاستمناء ولو أمنى ، لعدم الدليل من القرآن
والسنة على أنه يفطر بذلك ، ولا يمكن أن نفسد عبادة عباد الله إلا بدليل من الله
ورسوله صلّى الله عليه وسلّم .
ولكن عندي والله أعلم أنه يمكن أن يستدل على أنه مفطر من وجهين :
الوجه الأول النص : فإن في الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى قال في الصائم :
( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) والاستمناء شهوة ، وخروج المني شهوة ، والدليل
على أن المني يطلق عليه اسم شهوة قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم : ( وفي بضع
أحدكم صدقة قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر ؟ قال : أرأيتم لو
وضعها في الحرام أكان عليه وزر ؟ كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) والذي يوضع
هو المني .
الوجه الثاني : القياس ، فنقول : جاءت السنة بفطر الصائم بالاستقاء إذا قاء ،
وبفطر المحتجم إذا احتجم وخرج منه الدم ، وكلا هذين يضعفان البدن .
أما خروج الطعام فواضحٌ أنه يضعف البدن ؛ لأن المعدة تبقى خالية فيجوع الإنسان
ويعطش سريعاً .
وأما خروج الدم فظاهر أيضاً أنه يضعف البدن ، وخروج المني يحصل به ذلك فيفتر
البدن بلا شك ، ولهذا أمر بالاغتسال ليعود النشاط إلى البدن ، فيكون هذا قياساً على
الحجامة والقيء .
وعلى هذا نقول : إن المني إذا خرج بشهوة فهو مفطر للدليل والقياس " انتهى
باختصار .
وبهذين الدليلين : قضاء الشهوة ، وإضعاف البدن ، استدل شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله على أن الاستمناء مفسد للصيام . انظر "مجموع الفتاوى" (25/251) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" الاستمناء في نهار الصيام يبطل الصوم إذا كان متعمدا ذلك وخرج منه المني ،
وعليه أن يقضي إن كان الصوم فريضة ، وعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى ؛ لأن
الاستمناء لا يجوز لا في حال الصوم ولا في غيره ، وهو التي يسميها الناس العادة
السرية " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (15/267) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (10/256) :
" الاستمناء في رمضان وغيره حرام ، لا يجوز فعله ؛ لقوله تعالى : ( والذين هم
لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى
وراء ذلك فأولئك هم العادون ) ، وعلى من فعله في نهار رمضان وهو صائم أن يتوب إلى
الله ، وأن يقضي صيام ذلك اليوم الذي فعله فيه ، ولا كفارة ؛ لأن الكفارة إنما وردت
في الجماع خاصة " انتهى .
والله أعلم .منقول للاستفادة