شهيدة بعد ليلة عرسها: نعم.
شهيدة في اليوم الثاني من عرسها،أدخلت على زوجها ثم استشهد في اليوم الثاني، فمن هما وما خبرهما؟
إنها أم حكيم بنت الحارث، زوجة عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنهم. خرجت معه إلى اليرموك، وكانت خلف الجيش ترد المتراجعين والفارين من أرض القتال،وقفت هي وغيرها من النساء يشجعن الرجال، ويسقين الجرحى، ويداوين المرضى،وأمسكت بعضهن بأعمدة الخيام يرجعن من فر من أرض المعركة، أو يوبخنه قائلات: إلى أين يا لكع، أتتركوننا للعلوج والكفار؟
فكان لكلماتهن أكبر الأثر في رفع همم الرجال. لما علمت أم حكيم بمقتل زوجها عكرمة وأبيها الحارث بن هشام، تأثرت بذلك كثيراً،ولكنها هدأت وقرت عينها حين تذكرت أنهما شهيدان بإذن الله، وأنهما قتلا في سبيل الله، وأن الجنة في انتظارهما.
ولما أكملت عدتها تقدم لخطبتها اثنان من كبار قواد المسلمين يزيد بن أبي سفيان ، وخالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنهم أجمعين،ولقد كانت عادة العرب أنهم يرون في حسن الوفاء لصاحبهم المتوفى أن يتزوجوا بزوجته.وافقت أم حكيم على الزواج من خالد بن سعيد وقدم مهرها،لكن الحرب كانت مستمرة بين المسلمين والروم،والمفروض أن يؤجل الزواج حتى تنتهي الحرب، لكن خالد بن سعيد الصحابي الجليل رأى الزواج في الحال دون انتظار فرفضت أم حكيم، فالوقت غير مناسب،ولأنها رأت أعداداً من الروم قد اتجهت نحو المكان،فقالت: لو أخرت الدخول حتى يصد الله هذه الجموع!
لكن خالداً أصر على موقفه وقال: إن نفسي تحدثني أنني سأصاب في جموعهم وسأقتل،فوافقت أم حكيم مرغمة، وقالت له: الرأي ما ترى.
أقيمت الأعراس، ونصبت الخيام للولائم في مرج الصفر عند قنطرة على النهر،سميت بقنطرة أم حكيم ثم بدأت المبارزة فخرج العريس، وقاتل قتال المستميت، فقتل منهم عدداً لا يستهان به، لكنهم تكاثروا عليه وقتلوه كما قتلوا ابنه من قبل،ترك عروسه التي في الدنيا، واستقبلته الحور العين.
كانت العروس أم حكيم في خيمتها تسمع وترى ما يجري في المعركة وتراقب الأحداث، فلما علمت بمقتل زوجها اندفعت هي الأخرى تقاتل وآثار زينتها لا تزال عليها،فشدت عليها ثيابها، واقتلعت عموداً من خيمة عرسها، وانتظرت قدوم الروم من نحوها وسلاحها في يديها، مر الرومي الأول فضربته بالعمود فأردته قتيلاً، ثم مر الثاني فأردته قتيلاً، ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس، حتى قتلت سبعة؛وما أن ابتعد الروم قليلاً حتى خرجت تقاتل مع الرجال، فأصيبت بسهم كان سبب مصرعها، فخرت شهيدة رضي الله عنها بزينة عرسها مضرجةً بدمها إلى جنة ربها.
وانهزم الروم وقتل منهم خلق كثير، وأسفرت المعركة عن استشهاد العروسين في صبيحة عرسهما.
رأت رضي الله عنها أن الوقت ليس وقت زواج، فطلبت التأجيل، وقالت: هذا أوان قتال وكفاح،لكن مقتل الزوج لم يجعلها تضعف أو تجبن حزناً، بل استبسلت وقاتلت مؤكدة أنها تنتمي إلى مدرسة لا إله إلا الله.
فلو أن النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال
وما كان لها أن تكون كذلك إلا لأنها عابدة صوامة قوامة
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
" اللهم إنّ نشهدك أننا نحبهم فيكَ فاحشرنا معهم وإن لم نعمل بعملهم يارب العالمين"