قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله وجمعني به في دار كرامته-: "الاحتفال
بعيد الحب لا يجوز لوجوه:
الأول: أنه عيد بدعي لا أساس له في الشريعة.
الثاني: أنه يدعو إلى العشق والغرام.
الثالث: أنه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التافهة المخالفة لهدي
السلف الصالح رضي الله عنهم.
فلا يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المآكل، أو
المشارب، أو الملابس، أو التهادي، أو غير ذلك.
وعلى المسلم أن يكون عزيزا بدينه، وأن لا يكون إمعة يتبع كل ناعق"([32]).
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "دلت الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة - وعلى
ذلك أجمع سلف الأمة- أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط هما: عيد الفطر وعيد
الأضحى. وما عداهما من الأعياد سواء كانت متعلقة بشخصٍ أو جماعة أو حَدَثٍ
أو أي معنى من المعاني فهي أعياد مبتدعة، لا يجوز لأهل الإسلام فعلها ولا
إقرارها ولا إظهار الفرح بها ولا الإعانة عليها بشيء؛ لأن ذلك من تعدي حدود
الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وإذا انضاف إلى العيد المخترع كونه
من أعياد الكفار فهذا إثم إلى إثم؛ لأن في ذلك تشبهاً بهم، ونوع موالاة
لهم. وقد نهى الله سبحانه المؤمنين عن التشبه بهم وعن موالاتهم في كتابه
العزيز، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تشبه بقوم فهو
منهم»([33]).
وعيد الحب هو من جنس ما ذكر؛ لأنه من الأعياد الوثنية النصرانية، فلا يحل
لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعله أو أن يقره أو أن يهنئ، بل الواجب
تركه واجتنابه؛ استجابة لله ورسوله، وبعداً عن أسباب سخط الله وعقوبته. كما
يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة بأي
شيء؛ من أكلٍ أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان
أو غير ذلك؛ لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله
والرسول، والله جل وعلا يقول: }وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على
الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب{([34]).
ويجب على المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة في جميع أحواله، لاسيما في أوقات
الفتن وكثرة الفساد. وعليه أن يكون فطناً حذراً من الوقوع في ضلالات
المغضوب عليهم والضالين والفاسقين الذين لا يرجون لله وقاراً، ولا يرفعون
بالإسلام رأساً. وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى بطلب هدايته والثبات
عليها؛ فإنه لا هادي إلا الله، ولا مثبت إلا هو سبحانه، وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" ([35]).
هل هناك حب قبل الزواج؟
هذا سؤال مهم.
وإذا أحببنا أن ندرك الإجابة عنه قبل قراءتها فيمكن أن يعدل السؤال على هذا
النحو: لو أن شخصا مقبلا على الزواج دُلَّ على فتاة متدينة، وأُخبر بصفاتها
فلم ينكر منها شيئاً، وعزم على أن يتقدم لخطبتها، هل ينكر على مثله أن يميل
إليها بقلبه؟ إن ذلك كائن لا محالة. فمثل هذا لا ينكر عليه أن مال إليها
وأحبها، وحبه لها هو الذي دفعه إلى خطبتها، وإذا وافقت الفتاة وأهلها فإن
مخطوبته ستشعر بحبها له .. فهل يُنكر هذا؟ لا أظن أحداً يفعله.
فأين المحظور؟
أن يترجم هذا الحب إلى أعمال تسخط الله.. أن ينعكس على سلوكنا بممارسات نهى
عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالواجب أن لا يجر هذا الحب إلى حرام.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق
فاضل، وذات علم؛ فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق
فاضل، وعلم، ودين؛ فترغبه. لكن التواصل بين المتحابين على غير وجه شرعي هذا
هو البلاء، وهو قطع الأعناق والظهور. فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل
بالمرأة، والمرأة بالرجل ويقول: إنه يرغب في زواجها. بل ينبغي أن يخبر
وليها أنه يريد زواجها، أو تخير هي وليها أنها تريد الزواج منه، كما فعل
عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي
الله عنهما. وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل
فتنة"([36]).
فهذا الشاب الذي قذف الله في قلبه حب فتاة عليه أن يبادر وأن يأتي البيوت
من أبوابها. فإن خطبها فليعلم أن الذي يترتب على الخطبة أمران:
الأول: أنه لا يجوز لأحد أن يتقدم لخطبتها حتى يَدع الأول أو يُرَد؛ لقول
ابن عمر رضي الله عنهما: "نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ
يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى
خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ
الْخَاطِبُ»([37]) .
الثاني: أنه يجوز للخاطب أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها؛ لحديث المغيرة
بن شعبة رضي الله عنه أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «انْظُرْ إِلَيْهَا ؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى
أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»([38]).
وعليه؛ فلا يجوز له أن يخلو بها، وإذا أراد أن يحادثها فليكن ذلك بوجود
محرمها، فالمخطوبة أجنبية عن الخاطب.
وكم من خطبة كان الفشل مآلها لأن الخطيبين لم يلتزما أمر الله، فدخل الخاطب
على مخطوبته وخرج معها، ونال منها كلَّ شيء، فازدراها واحتقرها ثم نبذها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ
مَا تَوَادَّ اثْنَانِ، فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ
أَحَدُهُمَا»([39]).
والخاطب كما أنه لا يحب لأحد أن يمارس تصرفا مشينا مع أخته فعليه أن يكون
حريصا على أعراض إخوانه؛ لئلا يسلط عليه من يريه ما يسوؤه، وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ
وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ
يُؤْتَى إِلَيْهِ»([40]).
والأفضل أن يعجل بالزواج، أو أن يعقد لهما؛ ولكن ينبغي ألا يُفضَّ خاتمٌ
إلا بإعلان دخولٍ، وعلى الفتاة أن لا تمكن نفسها ممن عقد عليها ولم يُعلَن
دخوله عليها؛ فإنه إذا فعل ومات أو طلَّق ساءت سمعتها، وسيء الظن بها.
هذا هو الحب الذي لا ينكر.. أما حب المراهقين، والذين يريدون منه قضاء
أوقاتهم وشغل سنوات دراستهم فهذا منكر لابد من الخلاص منه؛ لئلا يفتك
بصاحبه. فكم عُذِّب به أناس؟ ومرض به صحاح؟ وكم أدخل قبراً؟ وأتعس وأبأس
إبآساً؟
اللهم طهر قلوبنا، واختم بالصالحات أعمالنا، وصل وسلم وبارك على سيد
الأنام، والحمد لله في البدء والختام.
------------------------------
[1] / التوبة (24).
[2] / البخاري ومسلم واللفظ له.
[3] / البخاري.
[4] / فتح الباري (11/528).
[5] / البخاري ومسلم.
[6] / سورة محمد (8-9).
[7] / أحمد والنسائي.
[8] / البخاري.
[9] / الترمذي.
[10] / أي: لا يُبغض.
[11] / مسلم.
[12]/ مفاتيح الغيب (7/171).
[13] / رواه البخاري ومسلم.
[14] / أبو داود والنسائي.
[15] / البخاري ومسلم.
[16] / أبو داود والترمذي.
[17] / أبو داود.
[18] / مسلم.
[19] / الطبراني.
[20] / رواه البخاري ومسلم.
[21] / مسلم.
[22] / البخاري ومسلم.
[23] / مسلم.
[24] / التوبة (24).
[25] / أحمد.
[26] / الترمذي.
[27] / آل عمران (29).
[28] / البخاري ومسلم.
[29] / رواه الترمذي.
[30] / الترمذي.
[31] / قصة الحضارة، ول ديورانت (15/23).
[32] / مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (16/199).
[33] / أحمد.
[34] / المائدة (2).
[35] / فتاوى اللجنة الدائمة (2/363)، فتوى رقم (21203).
[36] / لقاء الباب المفتوح، سؤال رقم (13).
[37] / صحيح البخاري، وصحيح مسلم.
[38] / أحمد.
[39] / رواه أحمد.
[40] / مسلم.