أسباب تراجعها كثيرة..
لم تكن حصلية الأعمال الكوميدية للعام 2011 أفضل حالاً من العام الذي سبقه، فمعظم الأعمال التي قدّمت لم تخرج عن كونها إمّا أعمالاً مستنسخة بشكل رديء، وإمّا مجرّد تهريج يقدمه ممثلون لم يتقنوا الأداء، ولا إقناع المتلقي، ربما لعدم قناعتهم أصلاً بنصّ يحاول كاتبه «سحب الضحكة» من المشاهد عنوة، فإذا ما نجح عمل ما سارعت الشركات، كعادتها، إلى إنتاج جزء ثانٍ منه، والمصيبة أنّ هذه الشركات، بالرغم من فشل الأجزاء، لم تتوقف عن إنتاج سلسلة من أجزاء أخرى، حتى وإن فشل العمل في جزئه الثاني أوالثالث.
وإذا ما ظهر نمط كوميدي معين، ولاقى رواجاً، سارع الكتّاب، بطلب من شركات الإنتاج، إلى كتابة عمل مشابه لتنتج معظم الأعمال الدرامية بشكل عام على مبدأ الفعل وردّ
الفعل.. وهنا يبرز سؤال يطرح نفسه: لماذا يقع صنّاع الكوميديا في الخطأ نفسه؟ ولماذا باتت صناعة الكوميديا الحقيقية أشبه بمعجزة؟.. مع هذا قد يكون للعاملين في حقل الدراما رأي آخر بالكوميديا السورية..
¶فن الأذكياء
المخرج هشام شربتجي، أبو الكوميديا السورية، وواحد من أهم مخرجي الأعمال الكوميدية السورية التي حاول كثيرون من بعده استنساخها لينجح بعضها ويفشل معظمها.. لطالما أسف لهذه الحال التي وصلت إليها الكوميديا، وقد وصفها في حوار سابق مع «بلدنا» بأنّها فنّ الأذكياء، وقال حينها: «الكوميديا كائن عمره قصير، فما أضحكني اليوم لن يضحكني غداً»، مشيراً بذلك إلى الأعمال التي تكرر نفسها، أو تستنسخ أعمالاً سابقة كانت قد نجحت. وأضاف شربتجي: «الكوميديا، بالذات، لا يمكن المزاح فيها، فإمّا أن نصنع عملاً كوميدياً ناجحاً، أو عملاً فاشلاً؛ أي ما من حل وسط. من السهل أن نأتي بأنصاف ممثلين، وأن نتبع آلية وتقنية بسيطة في التراجيديا. أما الكوميديا، فلا يمكن أن نقوم بذلك معها، لا من حيث النص ولا الأداء ولا الإخراج، على اعتبار أنّها من أصعب الفنون. ولكن حتى الدراما المصرية والعربية ـ وليس السورية فقط ـ تشهد تراجعاً؛ فالمغامرة في الكوميديا قاتلة». بهذا الكلام كان شربتجي قد اختصر حال الكوميديا السورية ليتّفق معه بعضهم ويختلف بعضهم الآخر.
¶ مكانك راوح
المخرج عمار رضوان رأى أنّ الكوميديا السورية ما زالت تحبو، فالشرق ـ حسب رأيه ـ وبشكل عام، مازالت ثقافته بعيدة عن الكوميديا؛ بل ما زال يتعلم كيف تصاغ، مع وجود استثناءات لايمكن نكرانها، ولكنها تبقى قليلة، في حين أنّ الكوميديا السورية ـ حسب المخرج عامر فهدـ قد طغى عليها التهريج على حساب كوميديا الموقف (أهم أنواع الكوميديا) ويرى فهد أنّ أهمّ ما في العمل الكوميدي هو «الخفة والهضامة، بالإضافة إلى الفكرة القيمة»، إلا أنّ ذلك ليس من السهل تقديمه في ظلّ غياب أهمّ ما يمكن أن يجعل الدراما الكوميدية تقف على قدميها من جديد.
الفنان آندريه سكاف أيضاً لا يرى في الدراما الكوميدية تطوّراً، وأنّها تسير على مبدأ «مكانك راوح»، وإن سارت فهي تسير بالاتجاه السلبي بدلاً من أن تتطوّر، ويضيف سكاف: «لا شيء مدهشاً في أفكار كوميديا الدراما السورية، أو جديداً، فمن يعمل في هذا المجال لا يمتلك أيّ اجتهاد يمكن أن ينتشل الكوميديا نحو الأفضل.
ويبقى غياب من ينتشل الكوميديا أحد أسباب غيابها، فهناك أسباب كثيرة تحدث عنها أيضاً عامر فهد بقوله: «كاتب الكوميديا هو كاتب بالمصادفة، والدليل أنه ما من كتّاب كوميديا قدّموا على فترات طويلة أعمالاً ناجحة، حتى وإن ظهر عمل كوميدي جيّد، ما إن يتمّ تقديم جزء جديد له حتى يفشل، وإن قام الكاتب بكتابة عمل آخر يفشل أيضاً»، ويعتبر فهد أنّ النص الكوميدي من أصعب النصوص الدرامية، معتبراً أنّ للرقابة دورها في تدفق دماء شابة جديدة على الساحة الدرامية تحمل أفكاراً جديدة تتناسب وهذا الزمن، ويقول فهد: «كتاب الكوميديا في معظمهم لم يتغيّروا منذ عشرين عاماً، فنحن بحاجة إلى رقابة جديدة تتقبل الأفكار الجديدة بدلاً من أن تمنع فكرة ما لأنّها ترى أنها غير مناسبة، وهذا ما يحصل ويتكرّر.. يجب أن يفتح سقف الكوميديا لآخر درجة ممكنة، وألاّ يكون هناك خطوط حمراء لكي يكون لدينا كوميديا حقيقية، فالرقابة الذاتية من قبل المخرج والكاتب كفيلة بأن تعرف ما يجب، وما لايجب، أن يكون في الكوميديا، وأن تضبط هذه الرقابة الذاتية العمل بما يتناسب والمجتمع».
¶ استنزاف أفكار
بالنسبة إلى المخرج زهير قنوع، تراجع الكوميديا مرتبط بالدرجة الأولى بالمزاج العام للمشاهدين، ويضيف قنوع: «لم يعد تقبّل المشاهد للدراما الكوميدية سهلاً، فالتغيرات الحياتية فرضت مزاجاً جديداً؛ هذا المزاج العام كان سبباً في تراجع الكوميديا في السنة الماضية وما تلاها، على اعتبار أنّه بات يبحث عن المختلف والجديد بعيداً عمّا يُقدّم، وإن كانت السنة الماضية قد خفّ بريقها بشكل عام. بعد هذا السبب الأساسي، تأتي أسباب أخرى من جملتها ـ حسب قنوع ـ مستوى الأعمال الذي بدأ يتراجع على صعيد النص، وعلى صعيد العاملين فيها من ممثلين ومخرجين.
بالمثل، يرى المخرج فهد أنّه من الصعب تقديم كوميديا ناجحة في ظلّ غياب كتاب كوميديا، حيث لا يفوق عدد الكتاب الجيدين ـ حسب تعبيره ـ أصابع اليد الواحدة.
في حين رأى المخرج رضوان أنّ من أحد أسباب تراجع الكوميديا السورية وأهمها استنزاف الأفكار وحرقها.
أسباب أخرى يضيفها الفنان أندريه سكاف إلى غياب من ينتشل الدراما: «الكوميديا أصبحت بعيدة عن الإبداع، خاصة أنّ القائمين عليها، في الغالب، هم غير اختصاصيين، أو مطلعين عليها كفاية»، كما يتفق سكاف مع فكرة أنّ الكوميديا إمّا أجزاء تنجح في البداية وتفشل لاحقاً، أو أنها استنساخ أو تكرار بطريقة تجارية بحتة.
ما يزعج في الحكاية -كما يرى سكاف- أنّ الدراما السورية تمتلك مواهب في الإخراج وفي التمثيل، إلا أنّ العنصر الناقص فيها هو النص الكوميدي الذي لا يمكن من دونه تقديم عمل متكامل، وبهذا تحصد الدراما عدداً من التجارب التي يحاول كتّابها أن يقوموا بسحب الضحكة من المشاهدين عنوةً من خلال أعمال صيغت باستخفاف ودون بذل مجهود حقيقي.
يضيف سكاف: «اعتمد بعضهم آليةً، ولم يقوموا بتغييرها؛ بل أدخلوا أعمالهم لتكون مجرّد أعمال تجارية رابحة».
¶ حتى الآن عمل واحد لهذا العام
إذاً، يتّفق كلّ من يتحدث عن مشكلة الكوميديا على أنّ غياب النص هو أبرز مشكلاتها، بالإضافة إلى استنساخ الأعمال الناجحة بدلاً من إبداع أفكار جديدة، وهو الفخ الذي يقع فيه العاملون في حقل الكوميديا مراراً وتكراراً، ليبقى المشاهد يترقب ما ستحمله الكوميديا هذا العام والأعوام القادمة، في ظل ظروف لا شك في أنها فرضت أفكاراً جديدة وحالة جديدة مختلفة تماماً عمّا قُدّم، ليكون فعلاً لم يعد من السهل إقناع المشاهد بأيّ فكرة سوف يتمّ تقديمها. ولكن على ما يبدو، أنّ صناع الدراما حتى اللحظة لم يستطيعوا التكيّف أو إيجاد مخرج لمأزق الكوميديا التي لا بدّ لها من أن تتماشى مع الأحداث الجارية، والدليل أنّه لم يتمّ الحديث فعلياً عن أيّ عمل كوميدي يتم التحضير له، وقد نوّه المخرج قنوع، أثناء حديثه عن الكوميديا، إلى أنّه حتى الآن ما من أعمال كوميدية قد طرحت على ساحة الدراما باستثناء مسلسل «سيت كاز»، مضيفاً: «الجمهور بحاجة إلى الكوميديا، فهي مطلب جماهيري، وحاجة للمنتجين، إلا أنّ انخفاض عجلة الأعمال الكوميدية سيؤثر فيها كمّاً ثمّ نوعاً عندما تنخفض هذه الأعمال، بالإضافة إلى قلّة نجوم الكوميديا ومخرجيها وكتابها».
منتديات مملكة الفرات 
منتديات مملكة الفرات 
